أثر الشراكة بين القطاع العام والخاص على الجودة في المدرسة العمومية

حق التعلم متاح للفرد منذ نعومة أظافره حيث تحميه الدولة والدستور، لكن أكثر من كونه حق فهو ضرورة. فالتعليم في جميع الأوطان يعتبر الحجر الأساس، اللبنة التي تبنى بها الأجيال، القيم التي تكون الشخصيات، المعرفة التي تُلَقن لتفتيح العقول وتنمية المهارات وللوصول إلى إنتاجية يستفيد منها البلد لاحقا. فالمدرسة عادة لا تُدرس من أجل المعلومات فقط إنما لتعلم الإنسان كيف يعيش ولماذا، وتحدد علاقته مع اخرجن حيث تعطيه أخلاقا وتساهم في تكوين شخصية الطفل.

يدوم الابتدائي 6 سنوات بالمغرب أما الإعدادي والثانوي فيدوم كل واحد منهما 3 سنوات. يقابل هذه السنوات معدل أعمار يتراوح بين 6 سنوات إلى 18 سنة (EPDC، 2014). يختلف ذلك قليلا باختلاف نوعية المدرسة أو نوع التعليم. يتم أولا التمييز بين المدارس ذات نظام عربي وأخرى ذات نظام فرنسي (تسمى البعثة الفرنسية وهي ناتجة عن فترة الحماية التي عرفتها المغرب، حيث كان هدفها الأول ” نشر اللغة والثقافة الفرنسيتين عبر العالم “(البعثة العلمانية الفرنسية، 2016)) وفي الآونة الأخيرة ظهرت أنظمة أخرى : الاسبانية والبريطانية والإيطالية والأمريكية… لن نتكلم عن النظام التركي لأنه ألغي لتوه (لأسباب متعلقة بالحالة السياسية).

يشكل التعليم الابتدائي أهم مرحلة في التعليم بالمغرب فهو يمثل 61% من التعليم بأكمله، حوالي 4 ملايين طفل كما يبين الشكل أعلاه.
منذ القرن الماضي، حظي التعليم باهتمام كبير في إطار الإصلاحات التي عرفها المغرب على المستوى الإداري. في سنة 1999، تشكلت أول لجنة خاصة للتربية والتكوين ليكون هدفها بلورة مشروع متكامل لإصلاح المدرسة المغربية.
يأتي الإصلاح في المملكة انطلاقا من خطاب سام، يذكر فيه العاهل المغربي أهم المشاكل التي يجب التركيز عليها ثم يترجم حسب رؤية كل إدارة. إن مجال التعليم شغل مكانا كبيرا في أول خطاب للملك محمد السادس (افتتاح الدورة الخريفية من البرلمان في السنة التشريعية الثالثة – 8 اكتوبر 1999).
غداة هذا الخطاب ظهر ما سمي بالميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي انطلق تفعيله منذ سنة 2000، الذي بلور مشروعا متكاملا لإصلاح المدرسة المغربية، فنصت المادة 60 من الدعامة الرابعة (إعادة هيكلة وتنظيم أطوار التربية والتكوين) على الهيكلة التربوية للتعليمين الأساسي والابتدائي بشرط أن يتم هذا بعد” أن يحقق تعميم التعليم الالزامي تقدما”.   فكان الهدف أن تصبح الهيكلة على الشكل التالي:

وذلك لضمان تكافؤ الفرص واكتساب المعارف الأساسية التي تمكن من اكتساب اللغة العربية والتي تسمح بالتعبير باستئناس من البداية باللغات واللهجات المحلية. لكن ومع اعتبار العناية الخاصة التي حظي بها تطبيق الميثاق من مختلف الهيئات المجتمعية، ورغم المجهودات المبذولة والإنجازات الملموسة في العديد من المجالات، بقي عدد من الاختلالات والانتظارات قائما. فجاء خطاب جلالة الملك سنة 2007 لتعجيل إنجاز الإصلاح والوصول إلى نتائج مرضية، فتبعه وضع البرنامج الاستعجالي (2009-2012) الذي وازى إصدار (سنة 2008) التقرير الوطني الأول حول حالة منظومة التربية والتكوين وآفاقها من طرف المجلس الأعلى للتعليم. اعْتُمدت خلاصاته، وتوصيات مناقشاته، كوثيقة مرجعية في صياغة البرنامج الاستعجالي الذي يمكن تلخيصه في أربع مجالات مهمة:
التحقيق الفعلي لإلزامية التعليم إلى غاية 15 سنة من العمر
حفز المبادرة والامتياز في الثانوية التأهيلية والجامعة والتكوين المهني
المعالجة الملحة للإشكاليات الأفقية الحاسمة لمنظومتنا التربوية
توفير الموارد اللازمة للنجاح
فطرح مشكل التعليم الأولي والابتدائي مرة أخرى، من خلال المجال الأول: التحقيق الفعلي لإلزامية التعليم إلى غاية 15 سنة عبر مشروع (E1.P1) المسمى تطوير التعليم الأولي بهدف تعميم التعليم الأولي في أفق سنة 2015، عن طريق اعتماد مفهوم جديد للتربية، يكون عصريا ومغربيا متأصلا. حسب الإجراءات التي وعد البرنامج الاستعجالي باتخاذها:
تأهيل العرض التربوي في مجال التعليم الأولي من خلال:
وضع عدة للتكوين تؤهل كافة المربيات والمربين
تعميم مراكز إعداد الوسائل الديالكتيكية والدعم البيداغوجي على كل الأقاليم.
تطوير العرض التربوي العصري في التعليم الأولي في مجموع التراب الوطني أساس تكافؤ الفرص بين القطاعين الخاص والعمومي وذلك بـ:
تدخل حاسم للدولة في المناطق الفروية والمهمشة بفتح أقسام للتعليم الأولي بمؤسسات التعليم الابتدائي
مساهمة قوية للقطاع الخاص في المجال الحضري مقابل إجراءات للدعم والتحفيز
خلق بنية خاصة بهذا السلك التعليمي تتولى إعمال استراتيجية تنمية التعليم الأولي والتنسيق بين الأطراف الفاعلة فيه.
وضع تكوين أساسي خاص بمهنة المربين بالتعليم الأولي لمدة سنة خلال مرحلة انتقالية، على أن يتم استكمالها بعد ذلك بإحداث إجازة مهنية.
تعزيز تأطير التعليم الأولي بتعبئة 250 مفتشا إضافيا وبإرساء سيرورة لتتبع وتقويم المربين والمؤسسات التربوية (وزارة التربية والتعليم، 2009)
نلاحظ أن المجهودات قد تكررت دون الوصول إلى نتيجة جديرة بالاهتمام، فالأهداف موجودة لكن أين التطبيق؟، زيادة على أنه لم يتم زيادة المدرسين ومن الصعب التكلم عن حجرات داخل مدارس ابتدائية موجودة ومكتظة بعدد تلاميذها الرسميين.

كان البرنامج الاستعجالي يهدف إلى فتح 3600 قسم جديد وبناء 2500 حجرة دراسية إضافية، لكن من خلال المبيان نرى أن عدد الحجرات في 2014 كان يقدر بـ 89451 ليصبح في 2016، 88288 حجرة. نقصت 1163حجرة.  فيجب البدء بالمحافظة على ما هو موجود.

هدف البرنامج إلى زيادة عدد المدرسين لكن الملاحظ مرة أخرى أن العدد قل حيث كان يصل لـ 124120 سنة 2014 فقل بـ 4297 مدرس سنة فيما بعد.  لفشل هذا الإصلاح وعدم وصوله إلى النتائج المرغوبة جاء تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي لسنة 2014، الذي جاء بعد الخطاب الملكي الثالث عن الموضوع، والذي أبرز النقائص التي تعاني منها المدرسة العمومية، فنتج عنه الرؤية المستقبلية 2015-2030. حثت الرؤية مجددا على إلزامية التعليم الأساسي فهل يا ترى ستتمكن هذه الرؤية من تجاوز الخلل والمضي قدما بقطاع التربية والتكوين؟.

كلعي زينب

Related posts

Top