أثر الطلاق على نظام الاشتراك في الملكية بين الزوجين

 يعتبر المغرب ثاني بلد عربي-بعد تونس-، يصدر نصا قانونيا يهم وضعية النظام المالي للزوجين. فإذا كان الأصل في غالبية التشريعات المستمدة من الشريعة الإسلامية تنصيصها على مبدأ استقلال الذمة المالية للزوجين، فإن التحولات التي طرأت على وضعية الأسر والمجتمعات بعد خروج المرأة إلى العمل وتحولها من شخص معال، إلى شخص عائل، جعل موضوع الأملاك المكتسبة بين الزوجين يحتل موقعا بارزا ضمن الإشكاليات المطروحة أمام المحاكم، وخاصة عند انحلال العلاقة الزوجية بالطلاق.

وفي هذا الصدد نصت المادة 49 من مدونة الأسرة بالمغرب الصادرة سنة 2004، على ما يلي: “لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية، الاتفاق على استثمارها وتوزيعها…”.

أما بتونس فقد تطرق المشرع إلى النظام المالي للزوجين من خلال قانون مستقل، صدر بتاريخ 9 نوفمبر 1998، وهو القانون عدد 94 لسنة 1998 المتعلق بنظام الاشتراك في الأملاك بين الزوجين، حيث شكل أحد أهم المرجعيات التي اعتمدها المشرع المغربي في المادة 49 من مدونة الأسرة.

فما هي أهم مميزات نظام الاشتراك في الأملاك بين الزوجين في القانون التونسي، وما هي الإشكاليات التي يطرحها هذا النظام على مستوى التطبيق العملي؟ 

ملاحظات عامة حول النظام المالي للزوجين بين القانون التونسي والمغربي

بداية لا بد من التأكيد أن القانون عدد 94 لسنة 1998 المتعلق بنظام الاشتراك في الأملاك بين الزوجين بتونس، والمادة 49 من مدونة الأسرة بالمغرب، كلاهما مستمدتان من القانون الفرنسي وخاصة الفصول من 1387 إلى 1581 من المجلة المدنية الفرنسية، لكن مع فارق جوهري يتمثل في أن المشرع الفرنسي جعل من المبدأ هو الاشتراك في الملكية بين الزوجين، في حين أن المشرع التونسي والمغربي جعلا من التفرقة في الأملاك بينهما هو المبدأ .

وأول ما يلفت النظر في القانون التونسي هو التسمية : “نظام الاشتراك في الأملاك “،  وهو ما يعني أن نطاق هذا القانون يشمل فقط العقارات دون المنقولات نظرا لما لها من أهمية اقتصادية، على خلاف القانون المغربي حيث تنظم المادة 49 من مدونة الأسرة الأموال المشتركة بين الزوجين، سواء كانت عقارات أو أموال منقولة.

ثانيا : صبغة الاختيارية لقانون الاشتراك في الأملاك، فللزوجين الأخذ به أو تركه، فهو متوقف على الإرادة المشتركة للزوجين، سواء ساعة إبرام عقد الزواج، أو بصفة لاحقة بموجب عقد مستقل، وهي ذات الملاحظة التي يمكن إبداؤها بخصوص القانون المغربي.

ثالثا : من مميزات قانون الاشتراك في الأملاك التونسي المرونة والتفصيل، إذ أن المشرع أفرد تشريعا خاصا ومستقلا لتنظيم الإشكاليات التي يطرحها نظام الاشتراك في الأموال، عكس القانون المغربي، الذي اقتصر على مادة فريدة في صلب مدونة الأسرة.

اشكاليات عملية في تطبيق قانون الاشتراك في الأملاك

لئن كان الدخول في ظل النظام المكرس بموجب القانون التونسي عدد 94 لسنة 1998 وتحديد مجال تطبيقه لا يثير إشكالا كبيرا من الناحية النظرية، فان تطبيقه العملي يثير الكثير من الإشكاليات ولا سيما عند إنهاء حالة الشياع بين الزوجين، وفي هذا الصدد اهتم الفصل 18 من القانون المذكور بتحديد الحالات الني ينتهي بها هذا النظام، ومنها الطلاق.

حيث تتجلى أهم آثاره على نظام الاشتراك في الأملاك في خروج الأموال المشتركة من الذمة المالية المشتركة للزوجين، ودخولها في الذمة المالية المستقلة لكل واحد منهما.

وقبل الوصول إلى هذه المرحلة، لابد من المرور باجرائين أساسيين هما مرحلة التصفية ثم القسمة .

قسمة الأموال المشتركة بين الزوجين

ينتج عن حل الزواج بالطلاق انتهاء حالة الاشتراك في الملكية بين الزوجين، باعتبار أن هذه الأخيرة تقوم على تحقيق مصلحة العائلة، وبتفككها فان المصلحة تنتفي ولا موجب لبقائها .

لكن تجدر الإشارة إلى أن الطلاق لا يؤدي بالضرورة إلى انتهاء حالة الشيوع، بل يعد من بين الأسباب المبررة لطلب إنهاءها، وهو ما يستشف من قراءة الفصل 19 من قانون الاشتراك في الأملاك بين الزوجين الذي ينص على أن حالة الاشتراك تظل قائمة حتى تتم تصفية الأملاك المشتركة، وهو ما يعني أنه يمكن للطليقين الإبقاء على حالة الشيوع بينهما. أما في صورة رغبة أحد الزوجين في قسمة الأموال المشتركة على ضوء قانون الاشتراك في الملكية بين الزوجين، والخروج من حالة الشيوع، فلا بد من تبيان تاريخ طلب القسمة في صورة الطلاق، ثم كيفية قسمة المشترك.

تاريخ طلب القسمة في صورة الطلاق 

يتعلق أول تساؤل يطرح ونحن بصدد قراءة القانون التونسي المتعلق بالاشتراك في الأملاك بين الزوجين حول التاريخ المعتمد لإنهاء حالة الاشتراك؟

ينص الفصل 18 من هذا القانون على أنه: “ينتهي الاشتراك:  بوفاة أحد الزوجين، بالطلاق، بفقدان أحدهما،  بتفريق أملاكهما قضائيا، بالاتفاق. وينص الفصـل 19 على أن حالة الاشتراك تبقى قائمة حتى تتم تصفية الأملاك المشتركة.

من خلال قراءة هذين الفصلين يتبين أن عبارة الطلاق وردت مطلقة، ومن المعلوم انه إذا وردت العبارة مطلقة تؤخذ على إطلاقها، وهو ما يدفع للتساؤل حول التاريخ المعتمد لإنهاء حالة الاشتراك، هل هو تاريخ صدور حكم الطلاق، أو تاريخ صيرورته باتا؟

وفي صورة استئناف أحد أجزاء حكم الطلاق، هل يعتمد تاريخ الحكم الابتدائي أو تاريخ صدور الحكم ألاستئنافي،  ذلك أن للاستئناف أثر انتقالي، ينقل الدعوى برمتها إلى محكمة أعلى درجة، واثر توقيفي أيضا، إذ يوقف التنفيذ، مع  ضرورة استحضار خصوصية قضايا الطلاق في التشريع التونسي إذ أن الطعن بالتعقيب فيها يوقف التنفيذ كذلك عكس باقي القضايا . فإذا ما تم اعتماد تاريخ رفع دعوى الطلاق، فإنه من الشائع في تلك المرحلة وقبل صدور حكم إيقاع الطلاق، أن يكون الزوجان في حالة انفصال، فما مآل التصرفات التي يقدم عليها أحدهما، ويكون موضوعها عقارا خاضعا لنظام قانون الاشتراك؟ وما مآل الأملاك التي اكتسبت أثناء سريات الدعوى، وقد يؤثر ذلك سلبا على النظام المالي، وعلى العقارات المندرجة ضمن نظام الاشتراك، باعتبار أنه في تلك المرحلة يتم تغليب المصلحة الفردية على المصلحة العائلية.

وإذ تم اعتبار تاريخ صدور حكم الطلاق هو التاريخ الذي تنتهي به حالة الاشتراك، فإن ذلك يطرح إشكالا آخر، فقد وضع القانون التونسي حيزا زمنيا قدره 30 يوما، ينبغي أن تفصل بين صدور الحكم وصيرورته قابلا للتنفيذ عبر تسجيله بدفاتر الحالة المدنية،  فأي التاريخين يتم اعتماده، هل تاريخ النطق بالحكم، أم تاريخ قابليته للتنفيذ ؟

من جهة أخرى لم يأخذ قانون الاشتراك في الأملاك بعين الاعتبار طول إجراءات التقاضي التي قد تستغرق أكثر من سنة، خاصة في حالة الطلاق  للضرر مما قد يؤثر بدوره سلبا على وضعية العقارات المشتركة بين الزوجين .

إن إنهاء نظام الاشتراك في الملكية بين الزوجين بموجب الطلاق يطرح تساؤلا أخر يتعلق بمدى وجوب تلازم النظر في قضية الطلاق والقسمة، أم استقلالية كل دعوى على حدة ؟

من الثابت أن المشرع و إن رتب عن الطلاق انتهاء الاشتراك في الأملاك إلا انه لم يفرض على الزوجين أن يقوما بقسمة المشترك و تصفيته في إطار نفس قضية الطلاق، أو في إطار قضية مستقلة، إذ لا شيء في قانون 9 نوفمبر 1998 يرجح هذه الإمكانية على تلك، و مع ذلك فان الأفضل جعل قضية القيام بقسمة المشترك و تصفيته لاحقة لقضية الطلاق، و ذلك لسببين على الأقل .

فمن ناحية أولى فان قسمة المشترك لا تتم إلا بعد أداء الديون أو تأمين ما يلزم لأدائها، وإعداد مشروع قسمة فيها، وهو ما قد يؤدي إلى طول إجراءات التقاضي.

ومن ناحية ثانية فان النظر في قضية الطلاق وفي مسالة الاشتراك من شأنه أن يجعل قضية الطلاق ذات طابع مدني مالي، في حين أن رغبة المشرع التونسي في قضايا الأحوال الشخصية اتجهت إلى الإبقاء على طابعها العائلي، حيث يتركز اهتمام المحكمة في هذه المرحلة على محاولة الإصلاح وإلى اتخاذ الوسائل الوقتية اللازمة والقرارات الفورية المتصلة بالأبناء، أكثر من اهتمامها بالمنازعات ذات الطبيعة المالية. لذا استقر العمل القضائي بالمحاكم التونسية على إفراد كل فرع بالنظر على حدة، على أن لا يتم طلب القسمة إلا بعد صدور حكم طلاق.

كيفية القسمة 

أحال الفصل 24 من قانون الاشتراك في الأملاك بين الزوجين على القواعد العامة الواردة في مجلة الحقوق العينية. وسواء كانت القسمة قضائية أو رضائية، فإن الفصل 25 من القانون المذكور حدد نصيب كل من الزوجين في النصف، وإذا كانت القسمة الرضائية لا تثير إشكالا باعتبارها تقوم على التراضي، فإن الإشكال يطرح في حالة القسمة القضائية، بخصوص إثبات الملكية المشتركة موضوع طلب القسمة، (وهو أمر بديهي طالما أن مرحلة التصفية لا يتم اللجوء إليها على المستوى التطبيقي، فهي مرحلة غير إلزامية، لم يرتب المشرع عليها أي جزاء) .

أول الدفوع المعتمدة من  قبل أحد الزوجين هو كون العقار موضوع طلب القسمة لا يخضع لنطاق تطبيق قانون الاشتراك في الأملاك بين الزوجين لعدة اعتبارات، وهو ما يجعل المحكمة في إطار دعوى قسمة، تبحث عن مسألة استحقاقية، الأمر الذي تطول به إجراءات التقاضي، هذا إن لم يتم رفضها، اعتمادا على أحكام الفصل 23 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية الذي يمنع تحوير الطلب في إطار الدعوى، الأمر الذي يجعل الخروج من حالة الشياع قضائيا بين الزوجين يأخذ حيزا زمنيا كبيرا قد يؤدي للإضرار بالمشترك .

ثاني إشكالية تطرح على مستوى الواقع التطبيقي تتعلق بحالة إبقاء الزوجة باعتبارها حاضنة على الأبناء القاصرين ببيت الزوجية، في إطار القرارات المتخذة من طرف المحكمة بمناسبة حكم إيقاع الطلاق. فإذا تم تقديم طلب إيقاع القسمة، وتبين أن المحل غير قابل للقسمة عينيا، وتم الحكم بالبيع بالمزاد العلني، وقسمة ثمنه بين المستحقين، فإن ذلك سيجبر الزوجة على الخروج منه، رغم صدور حكم سابق ببقائها فيه إلى حين بلوغ المحضونين سن الرشد القانوني.

< بقلم: ذ. محمد زيتونة*

 *قاض بدائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة الابتدائية بتونس باحث في سلك الماجستير

Related posts

Top