لا يمكن إنسانيا إلا التأسف للأحداث المؤلمة التي عرفتها مدينة مليلة المحتلة، بعد محاولة اقتحام عدد من المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء للسياج الحديدي الفاصل بين المدينة ومدينة الناظور، وما ترتب على ذلك من مواجهات مع السلطات المعنية، أسفرت عن مقتل 23 من المقتحمين، ومئات المصابين في صفوف المهاجرين والقوات العمومية.
لكن مع كل هذا الأسف على ما سقط من ضحايا، لا يمكن بكل موضوعية النظر إلى ما وقع بكل براءة، بعيدا عن سياقاته الزمنية والمكانية، والتي من أهمها ما عرفته العلاقات المغربية الإسبانية من تطورات مثيرة، بلغت حد اعتراف إسبانيا – المحتل السابق – بمغربية الصحراء، وبأن مقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب هو الحل الأنسب لفك النزاع بالمنطقة، فلا يمكن فهم حادثة مليلة إلا بمحاولة جهات ما تأزيم هذه العلاقات التي لا زالت تستعيد ديناميتها، مع الزيارات الرسمية المتبادلة، وفتح الحدود البحرية والعودة لإشراك الجارة الشمالية بعملية “مرحبا”، وهو ما تفطنت له السلطات الإسبانية نفسها، فأصدرت بيانا صريحا وواضحا تبرئ فيه المغرب من أي مسؤولية في هذه الأحداث.
أعتقد أنه ليس من باب البروباغندا ولا الركوب على الأحداث التفكير بموضوعية في مسؤولية الجارة الشرقية فيما حدث، خاصة وأننا نعلم من هو الخاسر الأكبر من هذا التطور في العلاقات المغربية الإسبانية، وكيف تمكن ما يقارب من ألفين من المهاجرين، أغلبهم من السودان، العبور فجأة للحدود المغربية، واجتياز الحدود الجزائرية، بكل هذا الكم والسلاسة، من الطبيعي جدا أن تثار الشكوك حول دور محتمل لنظام العسكر فيما وقع، وهو ما عبر عنه حتى بعض المنصفين من أبناء الجزائر بتحليل موضوعي ومنطقي.
لكن المؤسف في الموضوع، أنه في مقابل ذلك، تجد بعض من يقدم نفسه معارضا للنظام، دون أي خلفية فكرية أو إيديولوجية مرجعية، من متسولي اللايكات والمشاركات، يحمل المغرب مسؤولية ما حدث، ويحاول الركوب على ما وقع لتصفية حساباته الخاصة مع النظام المغربي، ناسيا أو متناسيا أنه ليس من مصلحة المغرب بتاتا تعريض نفسه للمساءلة، ولا حدوث أي توتر على المناطق الفاصلة بينه وبين المدن المحتلة، وأن الإصابات قد تعرضت لها القوات العمومية المغربية أيضا، وأن هجوم المهاجرين على السياج كان باستعمال أسلحة يدوية حادة، تم عرضها على شاشة القناة الإسبانية الرابعة.
مشكل هجرة أبناء إفريقيا جنوب الصحراء هو مسؤولية أطراف ثلاثة، الدول المصدرة لهؤلاء المهاجرين، بتنمية بلدانها واستغلال مواردها الطبيعية وطاقاتها البشرية؛ والمغرب بحكم تحوله إلى بلد مستقبل وليس فقط منطقة عبور إلى الضفة الأخرى، ولا بد أن نسجل هنا أن المغرب قد تبنى منذ 2013 سياسة إدماج هؤلاء المهاجرين وتسوية أوضاعهم، ووضع الترسانة القانونية اللازمة لذلك، كما يتصدى سنويا لمئات من محاولات الهجرة غير الشرعية، ويفكك مئات مثلها من شبكات الاتجار بالبشر.
الطرف الثالث والأهم في المعادلة، هو إسبانيا ومعها دول الاتحاد الأوروبي، إذ لا بد للأوروبيين من إدراك واستيعاب ما كان لهم من دور في تفقير هذه الشعوب الإفريقية، ودفع أبنائها للمغامرة بأرواحهم وحياتهم مقابل لقمة خبز يأكلونها، واستغلالهم لخيرات تلك الدول التي كانت تغنيهم عن كل هذه الأخطار المحدقة، فعليهم اليوم مسؤولية دعم هذه البلدان، ومساعدتها على استغلال مواردها والاستفادة منها، ودفعها لمزيد من الديمقراطية ورعاية حقوق الفرد والمجتمع.
الضفة الشمالية يجب أن تفهم أيضا أن المغرب ليس بدركي متطوع لحراسة حدودها، وأن محاربة الهجرة غير الشرعية، يقتضي دعما ماديا ولوجيستيكيا، وتنسيقا أمنيا لمحاربة مافيات الاتجار بالبشر، والتي تنشط بشكل كبير سواء بالجارة أو الدول الإفريقية جنوب الصحراء، وهو ما يستدعي تعاونا دوليا واسعا لمواجهتها، فلا يمكن ترك المغرب وحده في مواجهة هذه الجحافل البشرية، خاصة حين نعلم أن المغرب ينفق ما يقارب 500 مليون أورو سنويا لمحاربة الظاهرة، فيما لا تتجاوز مساعدات الاتحاد الأوروبي لهذا الغرض 15 مليون أورو في السنة.
الهجرة ظاهرة تعني الإنسان وحياته ومستقبله، كما أنها قنبلة قابلة للانفجار في أي لحظة، ومعالجتها لا تكون بالمزايدات السياسية، ولا بالتشجيع على الفوضى، وإنما بما يراعي مصالح كل الأفراد والدول.
بقلم: د. محمد عبد الوهاب رفيقي