أحداث موريتانيا

استطاعت العمليات التي قام بها الجيش الموريتاني في الأيام الأخيرة شمال مالي، والتي قالت سلطات نواكشوط إنها أسفرت عن قتل 6 من مسلحي «القاعدة»… بينما لاذ 4 آخرون بالفرار، أن توجه الضوء إلى قمة تشاد لدول الساحل والصحراء، وبالتالي أن تعيد إلى واجهة الاهتمام الإعلامي والدبلوماسي موضوع الخطورة الأمنية والإستراتيجية التي أصبحت تمثلها منطقة الساحل والصحراء، والتي باتت في السنوات الأخيرة معقلا لعناصر «تنظيم القاعدة»، ومسرحا لعمليات اختطاف الرعايا الأوروبيين.
أحداث موريتانيا الأخيرة، كشفت من جديد اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بالوضع في هذه المنطقة، وبتداعيات ما تشهده من انفلات أمني، وهو الاهتمام الذي  لم يبرز فقط خلال الأسبوع المنصرم، إنما  كان واضحا  لما روجت واشنطن لـ»أفريكوم»، أو من خلال  القلق الذي مافتئت تبديه بلدان أوروبية، فرنسا وإسبانيا خصوصا، جراء تواتر حالات اختطاف رعاياها على طول شريط الموت الممتد عبر صحاري المنطقة، آخرها حالة الرهينة الفرنسي ميشال جيرمانو، وقبله البريطاني ادوين داير الذي تم إعدامه ،ثم حالة المواطنين الإسبان.
وقد أحاط سجال إعلامي ودبلوماسي بأحداث موريتانيا، بشأن مستوى مساهمة فرنسا إلى جانب الجيش الموريتاني، وجرى حديث عن قلق إسباني من تنامي الانفراد الفرنسي، كما نقلت مصادر إعلامية أخبار عن دعم أمريكي لفرنسا، وفي كل هذا الغليان توجهت أعين المراقبين إلى البلدان المغاربية المجاورة لمنطقة الأحداث، وأيضا إلى المشاركين في قمة تجمع «سين صاد» بنجامينا.
لقد بات واضحا للجميع أن أغلب بلدان قمة الساحل والصحراء لا حول لها ولا قوة لمواجهة الخطر الإرهابي الذي يهددها ويستهدف المنطقة، وهو الوضع الذي تدركه «القاعدة» أيضا، وتحرص على استغلاله، وتوجيه ضرباتها وخططها الإجرامية إلى الحلقات الأضعف، وهذا الواقع يزيد الأمر خطورة، كونه يجعل ميدان المعركة واسعا، وأكثر تعقيدا، ويفتح كذلك الباب أمام اختراق سيادة الدول، وتحويل الشريط الصحراوي إلى ساحة للصراعات الأمنية والعسكرية والإستراتيجية بين القوى العظمى.
وعندما يشدد المغرب مثلا على ضرورة تعزيز العمل المغاربي، وإعادة الحياة لاتحاد المغرب العربي، وفتح الحدود بينه وبين الجزائر، وقبل كل شيء إيجاد حل سياسي نهائي للنزاع المفتعل حول الصحراء، فإن ذلك يمثل مدخلا جوهريا  لتقوية التنسيق ضد الخطر الإرهابي والانفلات الأمني في المنطقة، وبالتالي جعل الاتحاد المغاربي يلتفت إلى عمقه الإفريقي ليلعب دوره في المنطقة، حماية للأمن والسلم والاستقرار، ومن أجل تحويل هذا الفضاء الاستراتيجي الحساس إلى تجمع للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لمصلحة شعوب المنطقة.
البلدان المغاربية اليوم لديها مهمة إستراتيجية مستعجلة لإصلاح بنائها الذاتي، ولتقوية دورها في المنطقة، والمغرب من جهته أعطى أكثر من دليل على استعداده، والكرة الآن عند الجار الشرقي للمملكة كي يدرك أن النار غير بعيدة عن المكان.

Top