أخصائيون وفاعلون مدنيون وسياسيون يدعون إلى مراجعة الترسانة القانونية من أجل حماية النساء من العنف الرقمي

أجمع أخصائيون وفاعلون مدنيون وسياسيون على خطورة العنف الرقمي على الفرد وعلى المجتمع، وخاصة على النساء اللواتي يتعرضن لهذا النوع من العنف الذي قد يؤدي بهن إلى التفكير في الانتحار، مؤكدين على ضرورة التصدي لهذه الظاهرة ولآثارها النفسية والاجتماعية المدمرة، وذلك من خلال ملائمة الترسانة القانونية مع هذا النوع من الجرائم، بالإضافة إلى التوعية والتحسيس وإدماج التربية الرقمية ضمن المنظومة التعليمية والإعلامية.

كان ذلك خلال ندوة نظمها حزب التقدم والاشتراكية، بعنوان “أي حماية للنساء من العنف الرقمي وآثاره” وذلك بمناسبة اليوم الوطني للمرأة الذي يصادف الـ 10 من أكتوبر من كل سنة، وذلك يوم الأربعاء الماضي بالمقر المركزي للحزب بالرباط.

الندوة التي أدارتها الإعلامية إكرام الأزرق، شددت على أهمية التصدي للعنف الرقمي الذي يؤثر بشكل خاص على النساء وأكدت على ضرورة مراجعة القوانين ذات الصلة، وفي مقدمتها القانون الجنائي والقانون 103-13.

سومية منصف حجي: مجموعة من الثغرات والفراغات القانونية تعتري القانون 103-13 المتعلق بمحاربة كل أشكال التمييز ضد النساء

وفي بداية الندوة، أعربت سومية منصف حجي عضوة الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، رئيسة لجنة المساواة وحقوق النساء، عن آمالها في أن تكون مخرجات إصلاح مدونة الأسرة في مستوى ما ينتظره المغاربة عموما والحركة الحقوقية النسائية سواء داخل الأحزاب السياسية أو داخل المجتمع المدني، مشيرة إلى أن مدونة الأسرة ليست هي القانون الوحيد الذي هو في حاجة إلى إصلاح بل هناك أيضا القانون الجنائي الذي عمر لأزيد من 60 سنة. وهي المدة التي عرفت تحولات مجتمعية كبيرة، تضيف  القيادية الحزبية، التي قالت “إن أهم هذه التحولات الطفرة الرقمية وظهور الأنترنيت ومواقع التواصل اللإجتماعي” مشيرة إلى أن هذا النوع من التحولات بالرغم من انعكاساتها الإيجابية على المجتمع، تحمل في طياتها سلبيات كثيرة منها على الخصوص العنف الرقمي ضد المرأة.

وأضافت سمية حجي أن أزيد من 1.5 مليون امرأة تتعرض للعنف الرقمي، حسب الإحصائيات التي أوردتها المندوبية السامية للتخطيط، مؤكدة على أن الرقم  الحقيقي هو أكثر من ذلك بكثير على اعتبار  أن العديد من النساء لا يتقدمن بشكايات حول ما يتعرضن له من عنف رقمي، بداعي الخوف، وعدم القدرة على البوح، مشيرة إلى أن هذا النوع من العنف يرتكز، بالأساس، على التشهير والمس بالعرض وبالشرف وسمعة المرأة داخل المجتمع، كما أن الجرائم المرتبطة بالعنف الرقمي، ترتكب عن طريق تسريب فديوهات أو تسجيلات صوتية أو نشر صور قد تكون حقيقية وقد تكون مفبركة، ويكون ذلك مرفوقا بالتهديد والابتزاز وتكون الضحية في وضعية صعبة فيها الكثير من الآلام والمعاناة.

وبحسب عضوة الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، فإن هذا النوع من الإجرام ومن العنف له تابعات كثيرة، على المستوى الاجتماعي هناك فتيات انقطعن عن الدراسة ونساء أنقطعهن عن العمل، وهناك من منهن أصيبت بالاكتئاب الذي قد يتطور أحيانا إلى الانتحار، داعية إلى عدم التساهل مع هذا النوع من الإجرام، ووضع قانون يشمل على عقوبات صارمة ورادعة، مشيرة إلى أن القانون 103-13 المتعلق بمحاربة كل أشكال التمييز ضد النساء، تبين بعد مرور خمس سنوات على اعتماده، وجود مجموعة من الثغرات والفراغات القانونية، تحتم وجوبا تعديله.

بشرى عبدو: ضرورة تسليح القاصرين بتربية رقمية وتوعيتهم وتوجيههم حتى لا يمارس عليهم العنف الرقمي

من جانبها نوهت بشرى عبدو المديرة التنفيذية لجمعية التحدي والمساواة والمواطنة، بتجاوب وتفاعل حزب التقدم والاشتراكية عبر فريقه البرلماني بمجلس النواب، مع المبادرة التي اطقلتها جمعية التحدي للمساواة والمواطنة،

وتساءلت بشرى عبدو عن مدى وجود الحماية القانونية للنساء والفتيات ضحايا العنف الرقمي، وعن طبيعة الآثار التي يتركها هذا النوع من العنف على هؤلاء الضحايا سواء على المستوى الاجتماعي أو على المستوى الاقتصادي، بالإضافة إلى تساؤلها حول طبيعة المبادرات التي قد تكون مؤسسات الدولة أو المجتمع المدني، اتخذتها من أجل مناهضة العنف الرقمي.

وأوضحت المديرة التنفيذية لجمعية التحدي للمساواة والمواطنة، أن العنف الرقمي هو الذي يمارس عبر الوسائل الرقمية أي عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية، معربة عن أسفها لكون القانون 13-103، لم يدرج تعريفا خاصا بالعنف الرقمي مقابل تعريفه لأنواع العنف الأخرى كالعنف الجنسي أو العنف الجسدي أو العنف الاقتصادي، واكتفى ببعض الفصول المتفرقة التي تتحدث عن الحماية.

وحددت بشرى عبدو خاصية العنف الرقمي في ثلاثة خصائص رئيسية، كونه يتميز بسرعة الانتشار، ليس فقط داخل المغرب يمكن ان ينتشر عبر العالم بأسره، بالإضافة إلى صعوبة التحكم فيما تم نشره أو إرساله، حيث من الصعب وقف الاعتداء أو التحكم فيه لأنه يصبح ملك مشاع أمام الجميع، ولن يستطيع المعتدي أن يوقف ذلك الفعل الجرمي، حتى وإن أراد التراجع، أو ندم على ما فعله، أما الخاصية الثالثة، وهي الأصعب في نظر المتحدثة، وهي صعوبة التعرف على المعتدي خاصة لما يكون مجهول الهوية، ويضع اسما مستعارا.

العنف الرقمي كما تعرفه بشرى عبدو ليس عنفا عاديا، فهو عنف مدمر، وهو أخطر من العنف الجسدي، والعنف الاقتصادي، مشيرة إلى أن غالبا ما يفكر النساء ضحايا العنف الرقمي، في الانتحار، عوض التفكير في التبليغ أو في وضع شكاية، أو البحث عن الدعم والمؤازرة، كما أن هذا النوع من العنف، تضيف المتحدثة، هو مدمر على المستوى النفسي، وعلى المستوى الاجتماعي، أيضا هو مدمر على المستوى الاقتصادي، على اعتبار أن المرأة ضحية العنف الرقمي قد تكون ذات وضع اقتصادي واجتماعي مهم، لكن سرعان ما تتدمر بسبب التشهير أو الوصم أو التهديد والابتزاز، وقد تتخلى عن عملها أو تطرد من عملها بدعوى سمعة المقاولة أو لكونها لم تعد قادرة على مواجهة محيطها الاجتماعي سواء في مقر العمل أو الحي الذي تسكن فيه، الذي تضطر لمغادرته.

ووفق الاحصائيات التي تنشرها جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، أو المندوبية السامية للتخطيط، تؤكد بشرى عبدو أن الذي يمارس الاعتداء الرقمي، يكون في الغالب من معاريف الضحية سواء صديق أو زوج أو طليق أو زميل في العمل، فالأقربون غالبا ما يتوفرون على تلك المعلومات أو المعطيات الشخصية للضحية.

وعلى الرغم من وجود بعض الإجراءات والخطوات الإيجابية التي تروم حماية ضحايا العنف الرقمي، سواء من خلال منصة تبليغ أو خلايا التكفل، ترى بشرى عبدو أن العقوبات الواردة في القانون 13-103 لا توازي الفعل الجرمي الذي تتعرض له الضحايا، وأن أقصى عقوبة قد يتعرض لها المعتدي هي سنة سجنا، وهي عقوبة مخففة وضعيفة بالمقارنة مع الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية لضحايا العنف الرقمي.

فبالإضافة إلى أفعال العنف الرقمي المتمثلة في التنمر والابتزاز ذكرت المديرة التنفيذية لجمعية التحدي للمساوة والمواطنة، أن هناك أفعال أخرى تندرج  ضمن العنف الرقمي، وهي الأخطر كالاغتصاب الرقمي  والمطاردة الرقمية والتشهير، وأن المعتدي ينتقل من الواقع الافتراضي إلى الواقع الحقيقي وإلى مطاردة الضحايا.

وقالت بشرى عبدو “إننا اليوم أمام عنف مدمر، ليس فقط على النساء والفيات، بل أيضا على الرجال والقاصرين الذين يمارس عليهم العنف الرقمي ويتعرضون للتهديد والابتزاز ” داعية إلى تسليح الأطفال القاصرين بتربية رقمية، وتوعيتهم وتوجيههم حتى لا يمارس عليهم هذا النوع من العنف، مشيرة إلى أن الهواتف الذكية في يد الأطفال وحتى الراشدين هي بمثابة القنبلة التي لا نعرف خطورتها حتى تنفجر بين أيدينا ويقع علينا الاعتداء.

وأفادت بشرى عبدو أن الجمعية التي تديرها،  تشتغل إلى جانب مؤسسات تعليمية على التوعية الرقمية وسط التلاميذ والطلبة ، كما أنها بلورة مشروع قانون متكامل حول العنف الرقمي، يتكون من 8 أبواب و40 فصلا، وأنها تترافع حول هذا المشروع إلى جانب الفرق البرلمانية وفي مقدمتها فريق التقدم والاشتراكية الذي تجاوب بشكل إيجابي مع مشروع القانون الذي سيكون في حالة اعتماده أول قانون في المغرب من هذا القبيل، مشيرة إلى أن التحدي اليوم، يتضاعف في ظل الذكاء الاصطناعي وما يحمله في طياته من خطورة على المجتمع.

ووصفت بشرى عبدو العنف الرقمي بـ”الجحيم” الذي يعيشه الضحايا، وهو، بحسبها، عنف متجدد في الزمان والمكان، وأن الصور أو التسجيلات الصوتية المنشورة اليوم ممكن أن تعود إلى الظهور ولو بعد 50 سنة حيث يعود الآلام ويتجدد من جديد.

محسن بنزاكور: الجيل الحالي يعيش الهشاشة النفسية في ظل غياب منظومة تعليمية ترافق الطفرة الرقمية

من جانبه، أوضح محسن بنزاكور إخصائي في علم النفس الاجتماعي، أن الإنسان الذي يلجأ إلى العنف هو عديم الكفاءة الذهنية، حيث تحضر الاضطرابات المتعددة وتظهر الرغبات، وقد يكون هذا الانسان مصاب بالهوس الجنسي، أو غير قادر على تقبل الاختلاف، أو لديه  نوايا التحايل، مشيرا إلى أنه عندما يصل العنف إلى هذا المستوى ولا يتوقف، يتحول الشخص العنيف إلى مجنون يستوجب المتابعة القانونية والمواكبة النفسية حتى لا يعود إلى ممارسة نفس الفعل الجرمي.

وأضاف بنزاكور أن الطرف المعنف، هو أيضا له قصور على المستوى الفني وليست له القدرة على إرجاع المعتدي إلى وضعه الطبيعي، مؤكدا على ضرورة تعلم مهارات الدفاع عن النفس، وتطوير الكفاءات التي تتماشى مع العصر الذي نعيش فيه، أي بناء الإنسان القادر على التعامل مع الرقمنة، وعلى حماية نفسه وإرجاع المعتدي إلى وضعه الطبيعي، مشيرا إلى أن العالم الرقمي بالنسبة للأطفال هو عالم حقيقي، وهم وصلوا إلى درجة التعايش مع العالم الافتراضي.

إلى ذلك، أفاد الإخصائي في علم النفس الاجتماعي، أن الجيل الحالي، يعيش الهشاشة النفسية، في ظل غياب منظومة تعليمية ترافق هذا التطور، وهذه الطفرة الرقمية، حتى يتمكن التلميذ أو الطالب من إعمال العقل وتفكيك الخطاب الرقمي، ويعرف أنه يتعرض للعنف ويكون قادرا على حماية نفسه من هذا النوع من الخطاب.

وبحسب محسن بنزاكور، فإنه من المستحيل التخلي عن الرقمنة، لأنه على المستوى السوسيولوجي يستجيب الانسان للظرفية الاجتماعية، علما أن المجتمع يعيش اليوم تحولا رقميا، وبالتالي، يضيف المتحدث “إما أن تعيش داخل التاريخ أو تعيش خارجه” معربا عن أسفه، كون الحديث عن هذه الوسائل على المستوى الاجتماعي، تنقل تلك الصورة العنيفة اجتماعيا إلى الوسائل الإليكترونية، مستدلا على ذلك بالسلطة الوالدية التي تختلط، في فهم المواطن المغربي بين السلطة والعنف.

وذهب محسن بنزاكور إلى التأكيد على أن المنظومة الاجتماعية سواء داخل الأسرة، أو داخل المؤسسات التعليمي، أو على المستوى الإعلامي، تكرس العنف على المستوى الاجتماعي، ومن ثمة، يرى المتحدث، أنه عندما يكون هناك عنف على المستوى الاجتماعي، وتكون هناك هشاشة على المستوى النفسي، لا يمكن إلا أن يكون للعنف الرقمي آثارا وخيمة لا يمكن الاستهانة بها.

وأضاف الأخصائي في علم النفس الاجتماعي، أن العنف الرقمي هو استعمال الآلة والوسائط، مع وجود ضحية تكون هدفا للشخص المعتدي، وبالتالي يجب أن لا نستهين بهذا النوع من العنف بالنظر إلى آثاره الوخيمة، مشيرا إلى أنه بوجود الرقمنة أصبح الحديث عن عولمة العنف وعولمة “التشهير” وبات لهذا النوع من العنف مؤسساته، خاصة في مجال الإتجار بالبشر أو البيدوفيليا، وكذا الهجرة الغير شرعية، وهو ما يفيد، في نظره،  أن هناك أشخاص أذكياء أدركوا أن هذه السلطة هي بين أيديهم.

ودعا محسن بنزاكور إلى تربية الأطفال على مقاومة العنف الرقمي، وعدم الخوف من “الشوهة” في سياق الحفاظ على منظومة تكرس صورة نمطية للمرأة التي عليها الحفاظ على شرفها، وغير مسموح لها السقوط في الخطأ، مشيرا إلى أن التحدي الحقيقي، هو القدرة على المقاومة والتصدي لمثل هذه الظواهر، وليس على المستوى الآلي، لأن الآلة مهما بلغت حمايتها تبقى دائما معرضة للاختراق، عكس الإنسان إذا تم بناءه على الشكل الصحيح، فهو يستطيع مقاومة هذا النوع من الظواهر الرقمية. 

جانب آخر، يقول بنزاكور، “إنه عندما نتحدث عن المرأة، يجب أن نعلم أنها كانت طفلا، وأن الطفل، مع الأسف، في المغرب، هو مشروع فاشل، مشيرا لأننا لا نتوفر على ما يمكن أن نشكل به ذلك الطفل الذي يوافق عصره، في ظل غياب المواكبة وغياب المناعة لدى هؤلاء الأطفال”.

ويبقى الانسان العنيف، بحسب محسن بنزاكور هو الشخص الذي لا يمتلك الكلمات لمخاطبة الآخرين، وهو أيضا الإنسان الذي يتوتر بسهولة ويغضب بسهولة، وهو الانسان الذي يتعاطى للمخدرات والكحول بطريقة لا عقلانية، مشيرا إلى أن هدف هذه الصورة لمرتكب العنف، هو أنه أصبح يمتلك مهارة تكمن في الحاجة إلى السيطرة، مقابل امتلاكه لقدرة محدودة على إدارة النزاع التي تتطلب الهدوء والتوازن النفسي.

فاطمة الزهراء برصات: ضرورة  مراجعة المنظومة الجنائية بما ينسجم مع جرائم العنف الرقمي

بدورها، أكدت فاطمة الزهراء برصات عضو الديون السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ورئيسة لجنة الحقوق والحريات، على أهمية حماية النساء من العنف الإليكتروني، مشيرا إلى أن هذا الموضوع وآثاره الوخيمة على الفرد والمجتمع، له راهنية كبيرة، ويمكن القول إن هناك تأخر في معالجته والتطرق إليه.

وأوضحت فاطمة الزهراء برصات، أن الأخطر في هذا الظاهرة التي باتت تنخر المجتمع، هو أنه مقابل وجود 1.5 مليون امرأة تعرضت للعنف الرقمي، تمكن من البوح والتبليغ عما تعرضن له، هناك العديد من النساء الأخريات اللواتي يتعرضن للعنف الرقمي، أو العنف بشكل عام، لكنهن غير قادرات على التبليغ أو على البوح والإجهار بكونهن تعرضن للعنف، مشيرة إلى أن هناك أسباب لذلك منها على وجه التحديد تسامح المجتمع مع العنف الممارسة ضد المرأة، وتسامح المرأة بنفسها مع ما تتعرض له من عنف سواء رقمي أو غير رقمي، لخوفها مما تعتبره فضيحة أو “شوهة” داخل المتجمع.

وفي نظر القيادية الحزبية، فإن هناك صعوبة إثبات العنف الرقمي، عكس العنف الجسدي الذي يترك أثارا واضحة، مشيرة إلى غياب وسائل إثبات الآثار النفسية التي تتعرض لها المرأة المعنفة رقميا، على الرغم من أن القانون 13- 103 تحدث عنها، إلا أنه غير قادرة على الحد من العنف ضد النساء والدليل على ذلك هو الإحصائيات الرقمية التي تنشرها المندوبية السامية للتخطيط، والتي تظهر انتشار تلك المظاهرة التي تشير إلى تعرض النساء لمختلف أنواع العنف.

وتبقى خطورة العنف الرقمي، تضيف فاطمة الزهراء برصات، تكمن في خصائص هذا النوع من العنف والمتمثلة في سرعة الانتشار، والقدرة على إصابة عدد كبير من الضحايا في وقت واحد، وفي لحظة واحدة، بالإضافة إلى استمراره في الزمن وصعوبة وقفه والحد من انتشاره، مشيرة إلى أن هذا الخصائص تجل من هذا النوع من العنف هو الأخطر من أنواع العنف الأخرى خاصة عندما يكون مقرونا بالابتزاز وتقاسم خصوصيات المرأة، حيث أن آثاره المدمرة قد تصل حد الانتحار.

وأضافت عضوة الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أن العنف الرقمي هو عنف عابر للحدود، حيث يمكن أن يرتكب من طرف أشخاص خارج الرقعة الجغرافية، أو خارج الحدود الوطنية، مشيرة إلى أن سرعة تطور هذا النوع من العنف هو مرتبط بسرعة التطور التكنولوجي.

وقالت فاطمة الزهراء برصات “إن هناك قصورا في القانون، وهناك صعوبة وسائل الإثبات خاصة عند ما يكون الشخص المعتدي مجهول الهوية، أو بهوية مستعارة” مؤكدة على ضرورة وجود وسائل إثبات خاصة بهذا النوع من الجرائم التي تنتهك حربة المرأة وحقها قي التعبير وانتهاك حرمة خصوصياتها.

ودعت رئيسة لجنة الحقوق والحربات بحزب التقدم والاشتراكية إلى مراجعة المنظومة الجنائية بما ينسجم مع هذا النوع من الجرائم، مع وضع تعريف دقيق لمفهوم العنف الإليكتروني، بالإضافة إلى مراجعة القانون رقم 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، على أن يتم تشديد العقوبات في حق الأشخاص مرتكبي العنف الرقمي، مؤكدة على أن الحد من هذه الظاهرة يتطلب نص قانوني واضح وإرادة حقيقية في تطبيق القانون وتوفير الإمكانيات الضرورية لذلك.

كما أكدت برصات على أهمية توعية النساء والفتيات القاصرات والأطفال القاصرين، على المستوى الإعلامي وخاصة على مستوى الإعلام العمومي وكذا على المستوى التعليمي، مبرزة دورة المجتمع المدني في التصدي لمخاطر هذا النوع من الجرائم من خلال خلايا الاستماع والتوجيه، وتكوين القائمين على نفاذ القانون للتعامل مع الضحية.

****

  منصة “إبلاغ” عالجت  7083 إشعارا بشأن قضايا إجرامية رقمية على الانترنيت   

 أعلنت المديرية العامة للأمن الوطني أن المنصة الرقمية التفاعلية “إبلاغ” ، المخصصة للتبليغ الفوري عن المحتويات الرقمية غير المشروعة على شبكة الأنترنت، قد عالجت خلال الثلاثة أشهر الأولى منذ إطلاقها بداية شهر يونيو من السنة الجارية، ما مجموعه 7083 إشعارا بشأن قضايا إجرامية مختلفة، تتمثل في مختلف الجرائم المرتبطة بالتكنولوجيات الحديثة والتحريض والإشادة بأعمال إرهابية، وانتهاك حقوق وحريات الأطفال القاصرين والتهديد بالمساس بالسلامة الجسدية للأشخاص والنصب والاحتيال والابتزاز.

وفي تحليل نوعي للتبليغات التي توصلت بها منصة “إبلاغ” ، فقد عالجت الفرقة التقنية للأمن الوطني ما مجموعه 6788 إشعارا بخصوص قضايا الجريمة المرتبطة بالتكنولوجيات الحديثة، 60 بالمائة من بين هذه الإشعارات تتعلق بقضايا النصب والاحتيال الرقمي و 20 بالمائة بقضايا الابتزاز الجنسي، وعشرة بالمائة بقضايا السب والقذف وخمسة بالمائة بقضايا العنف والتهديد باستعمال العنف وخمسة بالمائة بقضايا تدخل في خانة باقي المحتويات الرقمية المتعلقة بالتحريض على ارتكاب جرائم ضد الأشخاص والاتجار في مواد ممنوعة عبر الأنترنيت والاستغلال الجنسي.

ومن الناحية المسطرية، فقد باشرت الفرق التقنية المشرفة على منصة “إبلاغ” الخبرات والتشخيصات التقنية الضرورية على التبليغات المتوصل بها قبل أن تحيلها على مصالح الشرطة القضائية المختصة ترابيا، بغرض إشعار النيابة العامة وفتح الأبحاث القضائية اللازمة على ضوء تعليماتها.

وقد مكنت هذه الأبحاث المنجزة تحت إشراف مختلف النيابات العامة من تحديد هوية 82 شخصا يشتبه في تورطهم في قضايا تتضمن عناصر تأسيسية الجرائم وجنح يعاقب عليها القانون، تم تقديم 23 شخصا من بينهم أمام العدالة، في حين تم نشر وتعميم مذكرات بحث على الصعيد الوطني في مواجهة تسعة مشتبه فيهم، بينما لازالت الأبحاث متواصلة بخصوص باقي المشتبه في ضلوعهم في هذه الأفعال الإجرامية.

أما في الجانب المرتبط بقضايا الإرهاب والتطرف، فقد توصلت منصة “إبلاغ” خلال نفس الفترة، بما مجموعه 295 إشعارا حول قضايا الإشادة والتحريض على ارتكاب أعمال إرهابية، من بينها 85 إشعارا حول أنشطة معلوماتية مرتبطة بالإشادة بنشاط تنظيم “داعش” الإرهابي، وهي الإشعارات التي تم التفاعل معها بالجدية المطلوبة من خلال فتح الأبحاث الضرورية بشأنها.

وفي معطيات إحصائية أخرى تؤشر على مستوى الثقة والتفاعل الإيجابي مع الخدمة التي تقدمها منصة “إبلاغ” الرقمية، فقد توصلت هذه المنصة التفاعلية خلال الثلاثة أشهر الأولى من إطلاقها بما مجموعه 4117 إشعارا تحمل الهوية الكاملة للمبلغين الذين اختاروا تسجيل تبليغاتهم مرفوقة بمعطياتهم الشخصية ، أي بنسبة تعادل أكثر من ثلثي مجموع الإشعارات المتوصل بها .

وتكريسا لهذه الثقة المتبادلة بين المبلغ ومنصة إبلاغ الرقمية، فقد تم تسجيل 564 إبلاغا من خارج التراب الوطني، من دول في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وتراهن مصالح الأمن الوطني من خلال مواصلة التفاعل الآني والجدي مع التبليغات التي تتوصل بها المنصة الرقمية “إبلاغ” إلى تدعيم تعزيز الإحساس العام بالأمن، ورفع مستويات التفاعل بين المؤسسة الأمنية ومحيطها المجتمعي وكذا تطوير آليات عملية وناجعة لمكافحة الجرائم المرتبطة بالتكنولوجيات الحديثة، وذلك عبر إشراك المواطنين في تحقيق الأمن الرقمي وصيانة الأنترنيت كفضاء آمن وخال من التهديدات والسلوكيات الإجرامية.

يذكر أن مصالح الأمن الوطني كانت قد ارتكزت، خلال تطويرها المنصة “إبلاغ”، على منطلقات ومفاهيم أمنية ضرورية، من بينها الإنتاج المشترك للأمن الذي يجعل المواطن شريكا في توطيد الأمن في مفهومه الواسع، من خلال التبليغ عن كل التهديدات والمخاطر المحتملة، كما تجسد هذه المنصة كذلك واجب التحذير الذي يفرض على الجميع الإخطار والتبليغ عن كل الجرائم ومحاولات الجرائم التي تتهدد أمننا الجماعي.

محمد حجيوي

تصوير: رضوان موسى

Top