أدباء يزهدون في النشر الورقي أمام إغراءات التواصل الرقمي

صار عدد كبير من الأدباء في بلادنا على الأقل يكتفون بنشر إبداعاتهم وفكرهم في صفحاتهم الاجتماعية الخاصة، هل هو زهد في النشر الورقي باعتباره بات أداة تقليدية في التواصل؟ من الملاحظ أن النشر الورقي، سواء في صيغة جريدة أو مجلة أو كتاب، كان إلى وقت قريب يشكل دينامية الحياة الثقافية، غير أنه مع وجود وسائط التواصل الإلكترونية وما تحققه من سرعة الانتشار، وحيث صار كل كاتب له نافذة إعلامية يطل من خلالها على قرائه، تراجع الدور الذي كان يضطلع به النشر الورقي.
اليوم بإمكان الكاتب أن ينشر جديده الإبداعي ويتلقى بعد حين من ذلك انطباعات القراء، ولعل هذا ما يرجوه أي حامل للقلم، على ذكر القلم، العديد من الأدباء كذلك صاروا يكتبون نصوصهم مباشرة على جهاز الحاسوب، ماذا يعني هذا؟ أشياء كثيرة ستتلاشى، على رأسها المسودات، علما منا بالدور الذي تلعبه المسودة في دراسة العمل الإبداعي لهذا الكاتب أو ذاك، شيء آخر هام، وهو مجاراة الإيقاع السريع الذي يشكل التواصل الرقمي من طرف هؤلاء الأدباء، اليوم صار بالإمكان أن تطلع على فصول رواية لم تكتمل بعد، وتتابع تخلقها يوما بعد يوم، وإذا انشغل صاحبها عن إتمامها، يخبرك بظروف ذلك ويعدك بأنه في صباح اليوم الموالي، في الساعة المعينة، سيواصل كتابتها. إلى أي حد يمكن أن يكون النص الأدبي ناجحا، وهو ينتج في هذه الظروف الخاصة؟البعض صار يعمد إلى إشراك قرائه في تأليف روايته أو دراسته، من خلال طرح قضية للنقاش والسجال، وجمع التعليقات ومراجعتها وعلى أساسها يبني نصه الذي قد يكون استعصى عليه في بداية الأمر. هناك أشياء ومستجدات بدأت تطرأ في ما يخص ظروف تخلق النص الأدبي، وينبغي الانتباه إلى ذلك وإخضاعه للدراسة من جميع الجوانب: الفكرية والنفسية والإبداعية والجمالية وووو.. لقد تراجع النشر الورقي خلال العقدين الأخيرين على الأقل، ولولا تدخل الوزارة الوصية على قطاع الثقافة وحفاظها على مكتسب دعم النشر، لما أمكننا السماع عن صدور كتاب جديد، هناك في الحقيقة كتب تسمع عن صدورها ولكنك لا تجدها في سوق الكتاب، بل منها ما فاز بأرفع الجوائز ببلادنا، وأعني بها جائزة المغرب للكتاب التي تسهر على تنظيمها وزارة الثقافة، لكنها لا توزع كما هو مفروض، علما بأن قيمة الجائزة ليس في المكافأة المادية، بل في الفرص التي تتيحها لانتشار العمل الفائز. لكن هذا لا يحصل، في حين أن هناك أمثلة عديدة بالدول المتحضرة، حيث أن الجائزة تتيح للكتاب الفائز أن يطبع عشرات المرات ويترجم كذلك إلى عدة لغات، على سبيل المثال جائزة الغونكور الفرنسية، التي لا تتعدى قيمتها المالية عشرة أوروات، لكنها تمكن صاحبها من الاغتناء بفضل مداخيل المبيعات، أين نحن من هذه الجائزة وغيرها؟ على أي
هذا موضوع آخر يحتاج إلى وقفة خاصة. الشيء الأكيد أن الإغراء الذي كان يشكله النشر الورقي قد تراجع وخفتت جذوته أمام الثورة الرقمية وما توفره من سهولة في التواصل والانتشار.

< عبد العالي بركات

Related posts

Top