موازاة مع تسجيل المؤشرات الرئيسية لتغير المناخ تركيز غازات الاحتباس الحراري، وارتفاع مستوى سطح البحر، وحرارة المحيطات، وتحمض المحيطات لأرقام قياسية جديدة في عام 2021، أسدل الستار على أشغال الدورة الـخامسة عشرة لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر المنعقدة في أبيدجان بكوت ديفوار، قمة تاريخية أنجبت التزاما عالميا مشتركا من أجل تعزيز القدرة على مكافحة الجفاف والاستثمار في إعادة تأهيل الأراضي لتحقيق الرخاء في المستقبل، وعلى مدار أسبوعين شهد هذا المؤتمر الذي تناولت أشغاله مستقبل تدبير الأراضي، حضور نحو سبعة آلاف مشارك، منهم رؤساء دول ووزراء وممثلون عن 196 طرفا في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، بما في ذلك المغرب والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى فاعلين في القطاع الخاص والمجتمع المدني والنساء، والقادة الشباب، وكذا وسائل الإعلام. وفي الختام أكد رئيس وزراء كوت ديفوار، باتريك أشي، أن: “كل جيل يواجه هذه المسألة الشائكة المتمثلة في كيفية الاستجابة لاحتياجات الإنتاج لدى مجتمعاتنا دون تدمير الغابات وأراضينا، وبالتالي رهن مستقبل أولئك الذين نسعى من أجلهم”.
من جهته، أبرز رئيس الدورة الـخامسة عشرة لمؤتمر محاربة التصحر آلان ريتشارد دونواهي، أن هذه هي المرة الأولى التي تستضيف فيها كوت ديفوار مؤتمر عالميا لإحدى اتفاقيات ريو الثلاث، مشددا على التزام بلاده المستمر بإبقاء القضايا المتعلقة باستدامة الأراضي ضمن أولويات الأجندة الدولية. أما الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إبراهيم ثياو، فقد أكد أن البلدان المجتمعة في سياق تسمه تحديات عالمية متعددة، بما في ذلك أسوأ ظاهرة جفاف منذ أربعين سنة في شرق إفريقيا، فضلا عن الأزمات الغذائية والاقتصادية التي تفاقمها جائحة جائحة كوفيد-19 والنزاعات، وجهت دعوة مشتركة حول أهمية الأراضي السليمة والمنتجة لضمان الرخاء للجميع في المستقبل، قمة تاريخية سلطت الضوء على الالتزامات الجديدة، وهي الإسراع في استعادة مليار هكتار من الأراضي المتدهورة في أفق 2030 من خلال تحسين جمع البيانات والرصد من أجل متابعة التقدم المحرز في التزامات استعادة الأراضي وخلق نموذج شراكة جديد لبرامج الاستثمار الدامجة على نطاق واسع بينما تتضمن الالتزامات الجديدة أيضا تعزيز القدرة على مواجهة الجفاف من خلال تحديد توسع الأراضي الجافة، وتحسين السياسات الوطنية والإنذار المبكر، والرصد والتقييم، من خلال تبادل المعارف والخبرات، وإقامة الشراكات، وتنسيق المبادرات، وتعبئة تمويل الجهود الرامية لمكافحة الجفاف، كما يتعلق الأمر بإحداث فريق عمل حكومي دولي جديد معني بالجفاف للفترة 2022-2024 لدراسة الخيارات الممكنة، بما في ذلك الآليات السياسية العالمية والإطارات السياسات الإقليمية، لدعم الانتقال من التدبير التفاعلي إلى الإدارة الاستباقية لمكافحة الجفاف. وعلاوة على ذلك، التزمت الأطراف المعنية بالتصدي للهجرة القسرية والنزوح الناجمين عن التصحر وتدهور الأراضي من خلال خلق فرص اجتماعية واقتصادية تزيد من قدرة العالم القروي على الصمود واستقرار سبل العيش، وتعبئة الموارد لتمويل مشاريع إعادة تأهيل الأراضي.
من جهة أخرى، سلط بيان صادر عن المنظمين الضوء على تحسين مشاركة المرأة في تدبير الأراضي باعتبارها جهات فاعلة من أجل إعادة تأهيل الأراضي بشكل فعال، وذلك من خلال مواجهة التحديات التي تواجهها الأراضي، وجمع البيانات المصنفة حسب الجنس بشأن آثار التصحر وتدهور الأراضي والجفاف.
واتفقت الأطراف كذلك على مكافحة العواصف الرملية والترابية وغيرها من مخاطر الكوارث المتزايدة من خلال وضع وتنفيذ خطط وسياسات، بما في ذلك الإنذار المبكر وتقييم المخاطر، والحد من الأسباب البشرية لهذه الظواهر من المصدر، بالإضافة إلى تعزيز العمل اللائق المرتبط بالأراضي لدى الشباب والمقاولين الشباب، وكذا دعم مشاركتهم في عملية اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، وبالإضافة إلى المخرجات النهائية، تم الإعلان عن ثلاثة إعلانات سياسية في وقت سابق في مؤتمر ويتعلق الأمر بدعوة أبيدجان التي أطلقها رؤساء الدول والحكومات المشاركون في القمة التي نظمها الرئيس الإيفواري، الحسن واتارا، في التاسع من ماي الجاري، وتروم هذه الدعوة تحفيز الاستدامة البيئية على المدى الطويل في سلاسل القيمة الرئيسية في كوت ديفوار، فضلا عن حماية وإعادة تأهيل الغابات والأراضي، وكذا تحسين مرونة المجتمع في مواجهة تغير المناخ، الأمر الذي سيتطلب تعبئة 1.5 مليار دولار أمريكي على مدى السنوات الخمس المقبلة، كما يتعلق الأمر بإعلان أبيدجان حول تحقيق المساواة بين الجنسين من أجل إعادة تأهيل الأراضي بشكل ناجح، والذي انبثق عن التجمع حول النوع الاجتماعي برئاسة السيدة الأولى لكوت ديفوار، دومينيك واتارا، بالإضافة إلى إعلان “الأرض والحياة والإرث” لمؤتمر قمة مكافحة التصحر في نسختها الخامسة عشر والذي يستجيب لمخرجات التقرير الرئيسي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، “توقعات الأراضي العالمية 2”، وهي دراسة على مدى خمس سنوات أجرتها 21 منظمة شريكة استنادا إلى أزيد من 1000 مرجع، وتشير هذه الدراسة، التي تم نشرها في 27 أبريل المنصرم، إلى أن ما يصل إلى 40 في المائة من جميع الأراضي الخالية من الجليد قد تدهورت بالفعل، ما يتسبب في عواقب وخيمة على المناخ والتنوع البيولوجي وسبل العيش.
الاستعدادت متواصلة للاحتفال باليوم العالمي للبيئة 2022
يعتبر يوم البيئة العالمي هو الوسيلة الرئيسية للأمم المتحدة لتشجيع الوعي العالمي والعمل من أجل البيئة. يقام هذا اليوم سنويا منذ عام 1974، وأصبح أيضا منصة حيوية لتعزيز التقدم في الأبعاد البيئية لأهداف التنمية المستدامة. وبقيادة برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تشارك أكثر من 150 دولة كل عام في الاحتفالات بيوم البيئة العالمي. وتتبنى المؤسسات التجارية الكبرى والمنظمات غير الحكومية والمجتمعات والحكومات والمشاهير من جميع أنحاء العالم الوسم المستخدم في يوم البيئة العالمي لدعم القضايا البيئية ويركز موضوع يوم البيئة العالمي لعام 2022، المعنون ’’لا نملك سوى أرض واحدة‘‘، على العيش بشكل مستدام في وئام مع الطبيعة ويصادف عام 2022 مرور 50 عاما على مؤتمر ستوكهولم الذي نتج عنه تحديد يوم 5 يونيو كيوم عالمي للبيئة وستستضيف حكومة السويد الاحتفالات الخاصة بيوم البيئة العالمي لعام 2022 بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة. ويصادف عام 2022 مرور 50 عاما على مؤتمر الأمم المتحدة الأول المعني بالبيئة البشرية – مؤتمر ستوكهولم عام 1972 الذي نتج عنه إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة وتعيين يوم 5 يونيو من كل عام كيوم عالمي للبيئة، وستقام الاحتفالات بيوم البيئة العالمي لعام 2022 تحت شعار ’’لا نملك سوى أرض واحدة‘‘، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى العيش بشكل مستدام في وئام مع الطبيعة عن طريق إحداث تغييرات تحويلية – من خلال السياسات وخياراتنا – نحو أنماط حياة أنظف وأكثر مراعاةً للبيئة، وكان شعار “لا نملك سوى أرض واحدة” هو شعار مؤتمر ستوكهولم لعام 1972. وبعد مرور 50 عاما، يظل هذا الشعار ساريا – هذا الكوكب هو موطننا الوحيد، الذي يجب أن تحمي البشرية موارده المحدودة، وقال وزير البيئة والمناخ ونائب رئيس الوزراء السويدي بير بولوند: “بصفتها البلد المضيف الذي يفتخر باستضافة احتفالات يوم البيئة العالمي لعام 2022، ستسلط السويد الضوء على الاهتمامات البيئية الأكثر إلحاحا، وسنعرض مبادرات بلدنا والجهود العالمية لمعالجة أزمات المناخ والطبيعة. وإننا ندعو المجتمع العالمي في جميع أنحاء العالم للانضمام إلى المناقشات والاحتفالات الهامة”، ووفقا لتقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة المعنون: التصالح مع الطبيعة والذي صدر في وقت سابق من هذا العام، فإن تحويل النظم الاجتماعية والاقتصادية يعني تحسين علاقتنا مع الطبيعة، وفهم قيمتها ووضع هذه القيمة في صميم عملية صنع القرار. وقالت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة أنه في عام 2022، نأمل أن نرى العالم يتجاوز منحنى الخطر بشأن جائحة كوفيد-19: “لكننا نفعل ذلك مع العلم بأننا ما زلنا نواجه الأزمات الكوكبية الثلاث وهي تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث”، وأكدت: “يذكرنا إعلان السويد – وموضوع يوم البيئة العالمي الذي يضع الطبيعة والناس في قلب العمل البيئي – بجذور العمل الحاسم لحماية بيئتنا ويضخ زخما حيويا للجهود العالمية لإعادة البناء بشكل أفضل وأكثر مراعاةً للبيئة”، وأضافت: “لقد قطعت السويد، منذ استضافتها مؤتمر ستوكهولم قبل خمسة عقود، خطوات جادة وسجلت استثمارات نحو حماية البيئة، بما في ذلك الهدف المناخي على المدى الطويل المتمثل في الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2045 وانبعاثات سلبية بعد ذلك”. “إن دورها المرحب به كبلد مضيف لاحتفالات يوم البيئة العالمي في عام 2022 هو بالتالي انعكاس للالتزام التاريخي والقيادة ومستوى عالٍ من الطموح للمستقبل”.
وتقام الاحتفالات بيوم البيئة العالمي في 5 يونيو من كل عام. إنه اليوم الرئيسي للأمم المتحدة لتعزيز الوعي العالمي والعمل من أجل البيئة، وقد نمى الاحتفال بهذا اليوم على مر السنين، ليصبح أكبر منصة عالمية للتوعية البيئية العامة ويحتفل به ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم، وبالإضافة إلى ذلك، ستستضيف حكومة السويد في عام 2022، “استوكهولم بعد 50 عاما”، وهو اجتماع دولي للاحتفال بالذكرى الخمسين لمؤتمر ستوكهولم لعام 1972 وتسريع التنفيذ لتحقيق خطة عام 2030 وتحقيق التعافي المستدام من جائحة كوفيد-19. وسيوفر اجتماع “استوكهولم بعد 50 عاما” فرصة للمجتمع الدولي لتعزيز التعاون وإظهار الريادة في التحول نحو مجتمع أكثر استدامة، تماشيا مع الإعلان الذي تم اعتماده مؤخرا بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين للأمم المتحدة.
تذكر الإشارة إلى أن مؤتمر ستوكهولم لعام 1972 كان قد أسفر عن إعلان ستوكهولم بشأن البيئة البشرية، بما في ذلك العديد من المبادئ التوجيهية بشأن الإدارة البيئية العالمية. ومن النتائج الأخرى للاجتماع إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة وتحديد يوم 5 يونيو كيوم عالمي للبيئة وكان مؤتمر الأمم المتحدة لعام 1972 حول البيئة البشرية في ستوكهولم، السويد، أول مؤتمر للأمم المتحدة على الإطلاق تُذكر فيه كلمة ’’بيئة‘‘ في عنوانه. وكان إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة أحد أبرز نتائج هذا المؤتمر في بداياته. وتم إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة بكل بساطة ليكون الضمير البيئي للأمم المتحدة والعالم. وستنظر الأنشطة التي ستتم حتى عام 2022 في التقدم الكبير الذي تم إحرازه بالإضافة إلى ما هو قادم في العقود القادمة.
ارتفاع مؤشرات تغير المناخ
سجلت أربعة مؤشرات رئيسية لتغير المناخ وهي تركيزات غازات الاحتباس الحراري، وارتفاع مستوى سطح البحر، وحرارة المحيطات، وتحمض المحيطات – أرقاما قياسية جديدة في عام 2021. وهذه علامة واضحة أخرى على أن الأنشطة البشرية تسبب تغيرات على نطاق الكوكب على اليابسة وفي المحيطات والغلاف الجوي، إلى جانب تداعيات ضارة وطويلة الأمد على التنمية المستدامة والنظم الإيكولوجية، وفقا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية وقد أدى الطقس المتطرف – “الوجه” الذي نعيشه يوميا لتغير المناخ – إلى خسائر اقتصادية تبلغ قيمتها مئات المليارات من الدولارات الأمريكية وألحق خسائر فادحة بحياة البشر ورفاههم، وتسبب في صدمات للأمن الغذائي والمائي، والتشريد الذي زادت حدته في عام 2022.
ويؤكد تقرير المنظمة عن حالة المناخ العالمي لعام 2021 أن السنوات السبع الماضية كانت الأكثر دفئا في السجلات. وكان عام 2021 “وحده” أحد الأعوام السبعة الأشد حرا بسبب ظاهرتي النينيا في بدايته ونهايته، إذ كان لها تأثير تبريدي، ولكنه مجرد تأثير مؤقت لا يعكس الاتجاه العام لارتفاع درجة الحرارة. وبلغ متوسط درجات الحرارة العالمية في عام 2021 مستوى أعلى من مستويات ما قبل العصر الصناعي بمقدار 1.11 (0.13±) درجة مئوية تقريبا، واتجه أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، منتقدا “سلسلة فشل البشرية الذريع والمحزن في معالجة الاضطرابات المناخية”، إلى نشر التقرير الرئيسي للمنظمة للدعوة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة من أجل جني “الثمار الدانية” لتحويل مسار نظم الطاقة بعيدا عن “الطريق المسدود” للوقود الأحفوري، وكان أنطونيو غوتيريش قد اقترح أن خمسة إجراءات حاسمة لبدء الانتقال إلى الطاقة المتجددة. وتشمل هذه الإجراءات تعزيز سبل الوصول إلى التكنولوجيا، وإمدادات الطاقة المتجددة، وزيادة الاستثمارات الخاصة والعامة في مصادر الطاقة المتجددة بمقدار ثلاثة أضعاف، ووضع حد للإعانات على الوقود الأحفوري التي تصل إلى حوالي 11 مليون دولار في الدقيقة، وقال غوتيريش: “الطاقة المتجددة هي السبيل الوحيد لتحقيق أمن الطاقة الحقيقي، واستقرار أسعار الطاقة وفرص العمل المستدامة. وإذا تعاونا، قد يكون الانتقال إلى الطاقة المتجددة هو مشروع السلام في القرن الحادي والعشرين”. وقال أيضا إنه يجب أن يعمل العالم في هذا العقد لمنع الآثار المناخية المتفاقمة وقصر الزيادة في درجة الحرارة عند حد أقل من 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، وقال البروفيسور بيتيري تالاس، الأمين العام للمنظمة: “إنها مجرد مسألة وقت قبل أن نرى عاما آخر أكثر دفئا في السجلات. فمناخنا يتغير نصب أعيننا”.
وستؤدي الحرارة التي تحتجزها غازات الاحتباس الحراري الناشئة عن الأنشطة البشرية إلى تدفئة الكوكب لعدة أجيال قادمة. وسيستمر ارتفاع مستوى سطح البحر، واحترار المحيطات وتحمضها لمئات السنين ما لم تخترع وسائل لإزالة الكربون من الغلاف الجوي. وقد وصلت بعض الأنهار الجليدية إلى نقطة اللاعودة، وسيكون لذلك تداعيات طويلة الأجل في عام يعاني فيه أكثر من ملياري شخص بالفعل من الإجهاد المائي”، وأضاف البروفيسور تالاس: “للطقس المتطرف التأثير الأسرع على حياتنا اليومية. وتشير السنوات التي تقضى في الاستثمار في التأهب للكوارث إلى أننا تحسنا في مجال إنقاذ الأرواح، وإن كانت الخسائر الاقتصادية آخذة في الارتفاع. ولكن لا يزال هناك الكثير مما ينبغي القيام به، كما نرى في حالة الجفاف الطارئة التي تظهر في القرن الأفريقي، والفيضانات المميتة الأخيرة في جنوب أفريقيا، والحرارة الشديدة في الهند وباكستان. ونظم الإنذار المبكر ضرورية للغاية للتكيف مع تغير المناخ، ولكنها لا تتوافر إلا عند أقل من نصف أعضاء المنظمة ونحن ملتزمون بأن تكون الإنذارات المبكرة في متناول الجميع خلال السنوات الخمس المقبلة، بناء على طلب السيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة”. وتكمل تقارير حالة المناخ العالمي الصادرة عن المنظمة تقرير التقييم السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الذي يتضمن بيانات حتى عام 2019. والتقرير الجديد للمنظمة مقترن بمخطط القصة ويقدم معلومات وأمثلة عملية لواضعي السياسات بشأن كيفية ظهور مؤشرات تغير المناخ المحددة في تقارير الهيئة خلال السنوات الأخيرة على الصعيد العالمي، ومدى الشعور بالآثار ذات الصلة على الأطراف على المستويين الوطني والإقليمي في عام 2021، وسيستخدم تقرير المنظمة عن حالة المناخ العالمي كوثيقة رسمية في مفاوضات الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ والمعروفة باسم الاجتماع السابع والعشرين لمؤتمر الأطراف للمناخ في نسخته السابعة والعشرون المقرر أن يعقد في مصر في وقت لاحق من هذا العام، ويساهم في التقرير عشرات من الخبراء من الدول الأعضاء، بما في ذلك المرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا والمراكز العالمية للبيانات والتحليل، بالإضافة إلى المراكز المناخية الإقليمية، والبرنامج العالمي للبحوث المناخية والمراقبة العالمية للغلاف الجوي والمراقبة العالمية للغلاف الجليدي، وخدمات كوبرنيكوس لمراقبة تغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي ويضم شركاء الأمم المتحدة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ولجنة اليونسكو الدولية الحكومية لعلوم المحيطات والمنظمة الدولية للهجرة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين ومكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث وبرنامج الأغذية العالمي.
ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض
وتجدر الإشارة إلى أن تركيزات غازات الاحتباس الحراري وصلت إلى مستوى عالمي جديد في عام 2020، وتشير البيانات المستقاة من مواقع محددة إلى أنها استمرت في الزيادة في عام 2021، وبلغ المتوسط السنوي لدرجة الحرارة العالمية في عام 2021 مستويات أعلى من متوسط ما قبل العصر الصناعي 1850‑1900 بمقدار 1.11 ± 0.13 درجة مئوية تقريبا، وهو أقل دفئاً من بعض السنوات الأخيرة بفضل أحوال التبريد الناجمة عن ظاهرة النينيا في بداية العام ونهايته. والأعوام السبعة الماضية، من 2015 إلى 2021، هي أحر سبعة أعوام مسجلة، وشهدت حرارة المحيطات ارتفاعا قياسيا، واستمر ارتفاع درجات حرارة المحيطات في عمق 2000 متر من السطح في عام 2021، ومن المتوقع أن يستمر الاحترار في المستقبل – وهو تغيير لا رجعة فيه على النطاقات الزمنية من المئوية إلى الألفية. وتتفق جميع مجموعات البيانات على أن معدلات احترار المحيطات تظهر زيادة قوية بشكل خاص في العقدين الماضيين، ويخترق الدفء ليصل إلى مستويات أعمق من أي وقت مضى، وفي وقت ما في عام 2021، شهد جزء كبير من المحيطات، على الأقل، موجة “قوية” من موجات الحر البحرية
تحمض المحيطات
تمتص المحيطات حوالي 23 في المائة من الانبعاثات السنوية لثاني أكسيد الكربون الناتج عن الأنشطة البشرية في الغلاف الجوي. ويتفاعل ذلك من مياه البحر ويؤدي إلى تحمض المحيطات، مما يهدد الكائنات الحية وخدمات النظم الإيكولوجية، وبالتالي يهدد الأمن الغذائي والسياحة وحماية المناطق الساحلية. وكلما انخفضت درجة الحموضة (PH) في المحيط، انخفضت قدرته على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. وخلصت هيئة علماء المناخ إلى أن: “هناك ثقة عالية جدا في أن درجة الحموضة لسطح المحيطات المفتوحة هي الآن في أدنى مستوياتها منذ 26000 عام على الأقل، وأن المعدلات الحالية لتغير درجة الحموضة غير مسبوقة منذ ذلك الوقت على أقل تقدير“
ارتفاع مستوى سطح البحر
وبلغ المتوسط العالمي لمستوى سطح البحر مستوى قياسياً جديداً في عام 2021، إذ زاد بمتوسط 4.5 ملليمتر سنوياً خلال الفترة 2013-2021، وهو أكثر من ضعف معدل الفترة 1993-2002، ويُعزى ذلك بشكل أساسي إلى تسارع فقدان الكتلة الجليدية من الصفائح الجليدية. ولهذا الأمر آثار كبيرة على مئات الملايين من سكان المناطق الساحلية، ويُزيد من قابلية التعرض للأعاصير المدارية.
ذوبان تاريخي للغلاف الجليدي
بالرغم من أن عام علم الجليد 2021-2020 قد شهد ذوبانا أقل مما كان عليه في السنوات الأخيرة، ثمة اتجاه واضح نحو تسارع فقدان الكتلة على نطاقات زمنية متعددة العقود. وفي المتوسط، ترققت الأنهار الجليدية المرجعية في العالم بمقدار 33.5 متر (مكافئ الجليد) منذ عام 1950، وحدث 76 في المائة من هذا الترقق منذ عام 1980، وكان عام 2021 عاما عقابيا بشكل خاص للأنهار الجليدية في كندا وشمال غرب الولايات المتحدة إذ فقدت كمية قياسية من الكتلة الجليدية بسبب موجات الحر والحرائق في يونيو ويوليوز وشهدت غرينلاند ظاهرة استثنائية للذوبان في منتصف غشت وسجل أول هطول للأمطار على الإطلاق في محطة القمة، وهي أعلى نقطة على الصفيحة الجليدية على ارتفاع 3216 مترا، وحطمت موجات الحر الاستثنائية الأرقام القياسية عبر غرب أمريكا الشمالية والبحر الأبيض المتوسط. فقد وصلت درجة الحرارة في وادي الموت، كاليفورنيا إلى 54.4 درجة مئوية في 9 يوليوز أي قيمة مماثلة لعام 2020 كأعلى مستوى مسجل في العالم منذ ثلاثينيات القرن العشرين على أقل تقدير، ووصلت درجة الحرارة في مدينة سيراكيوز في صقلية إلى 48.8 درجة مئوية ووصلت درجة حرارة مقاطعة كولومبيا البريطانية في كندا إلى 49.6 درجة مئوية في 29 يونيو وتسبب ذلك في وفاة أكثر من 500 شخص بسبب الحرارة واندلاع حرائق الغابات المدمرة التي أدت بدورها إلى تفاقم آثار الفيضانات في نونبر، وتسببت الفيضانات في خسائر اقتصادية بقيمة 17.7 مليار دولار أمريكي في مقاطعة هينان في الصين، وشهدت أوروبا الغربية بعضاً من أشد الفيضانات المسجلة في منتصف يوليو، وكان ذلك مصحوبا بخسائر اقتصادية في ألمانيا تجاوزت 20 مليار دولار أمريكي ووقعت خسائر فادحة في الأرواح.
جفاف تاريخي يشهده العالم
ولقد أثر الجفاف على أجزاء كثيرة من العالم، منها القرن الأفريقي وكندا وغرب الولايات المتحدة وإيران وأفغانستان وباكستان وتركيا، وفي المنطقة شبه الاستوائية من أمريكا الجنوبية، تسبب الجفاف في خسائر زراعية كبيرة وعطّل إنتاج الطاقة والنقل النهري، واشتد الجفاف في القرن الأفريقي حتى الآن في عام 2022، ويواجه شرق أفريقيا احتمالا شبه حقيقي أن الأمطار لن تسقط للموسم الرابع على التوالي، مما يضع إثيوبيا وكينيا والصوماليين في حالة جفاف لم يسبق لها مثيل في السنوات الأربعين الماضية. وتحذر الوكالات الإنسانية من الآثار المدمرة على الأشخاص وسبل العيش في المنطقة، وكان إعصار الهاريكين إيدا هو الأكبر في موسم شمال المحيط الأطلسي، إذ وصل إلى اليابسة في لوزيانا في 29 غشت مسببا خسائر اقتصادية في الولايات المتحدة تُقدر بمبلغ 75 مليار دولار أمريكي، وكان ثقب الأوزون فوق المنطقة القطبية الجنوبية كبيراً وعميقا بشكل غير عادي، إذ وصل إلى أقصى مساحة له بلغت 24.8 مليون كيلومتر مربع (حجم أفريقيا) نتيجة لدوامة قطبية قوية وثابتة وظروف أكثر برودة من المتوسط في طبقة الستراتوسفير السفلى.
المناخ يهدد النظم الإيكولوجية والأمن الغذائي
أدت الآثار المركبة للنزاعات وظواهر الطقس المتطرفة والصدمات الاقتصادية، التي تفاقمت بسبب جائحة كوفيد-19، إلى تقويض عقود من التقدم نحو تحسين الأمن الغذائي على الصعيد العالمي وأدى تفاقم الأزمات الإنسانية في عام 2021 أيضا إلى تزايد عدد البلدان المعرضة لخطر المجاعات ومن بين العدد الإجمالي للأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية في عام 2020، يعيش أكثر من نصفهم في آسيا (418 مليونا) وثلثهم في أفريقيا (282 مليونا)، ولا تزال أخطار الأرصاد الجوية الهيدرولوجية تسهم في التشرد الداخلي، وكانت البلدان التي سُجلت فيها الأعداد الأكبر من حالات التشرد حتى أكتوبر 2021 هي الصين أكثر من 1.4 مليون شخص والفلبين أكثر من 386000 شخص وفييت نام أكثر من 664000 شخص، وتتأثر النظم الإيكولوجية بما في ذلك النظم الإيكولوجية الأرضية والساحلية والبحرية، والنظم الإيكولوجية للمياه العذبة والخدمات التي تقدمها بالمناخ المتغير، ويتأثر بعضها بدرجة أكبر من الآخر، وتتدهور بعض النظم الإيكولوجية بمعدل غير مسبوق، فمثلا، تتأثر النظم الإيكولوجية الجبلية – أبراج المياه في العالم – تأثرا عميقا، ويزيد ارتفاع درجات الحرارة من خطر فقدان النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية بشكل لا رجعة فيه، بما في ذلك مروج الأعشاب البحرية وغابات عشب البحر والشعاب المرجانية معرضة بشكل خاص لتغير المناخ، إذ يتوقع أن تفقد ما بين 70 و90 في المائة من منطقة تغطيتها السابقة عند الاحترار بمقدار 1.5 درجة مئوية وأكثر من 99 في المائة عند الاحترار بمقدار درجتين مئويتين، وهناك ما بين 20 و90 في المائة من الأراضي الرطبة الساحلية الحالية معرضة لخطر الفقدان بحلول نهاية هذا القرن، حسب مدى سرعة ارتفاع مستويات سطح البحر. وهو ما من شأنه أن يزيد من تقويض القدرة على توفير الغذاء، والسياحة، وحماية المناطق الساحلية، من بين خدمات النظم الإيكولوجية الأخرى.
وفي الأخير يبقى مؤتمر قمة مكافحة التصحر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر الأول من بين ثلاثة اجتماعات لاتفاقيات “ريو” التي ستعقد سنة 2022، وذلك إلى جانب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP27) واتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي (COP15)، وقد دعا قرار خاص اعتمده مؤتمر قمة مكافحة التصحر إلى مزيد من التآزر بين اتفاقيات ريو الثلاث، لاسيما تعزيز أوجه التكامل في تنفيذ هذه المعاهدات وتحديد الأهداف على المستوى الوطني ويشار إلى أن الاجتماعات المقبلة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية مكافحة التصحر وهيئاتها الفرعية ستعقد بالمملكة العربية السعودية (كوب-16 سنة 2024) ومنغوليا (كوب-17 سنة 2026) وأوزبكستان (اللجنة المكلفة باستعراض تنفيذ الاتفاقية في سنة 2023).
- محمد بن عبو
- خبير في المناخ والتنمية المستدامة رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة