أرقام وأكثر..

أفادت وزارة الداخلية أن نسبة المشاركة في الاستفتاء الدستوري بلغت 73.46 في المائة، وأن نسبة المصوتين بنعم على الدستور الجديد للمملكة بلغت 98.50 في المائة، كما أن عدد المصوتين بلا لم يزد عددهم عن 146718 أي ما نسبته 1.50 في المائة، في حين بلغ عدد الأوراق الملغاة 81712 ورقة. وفي انتظار إعلان المجلس الدستوري عن المعطيات الرقمية النهائية للاستفتاء، فإن النتائج المؤقتة المعلن عنها تؤكد نجاح الاستحقاق التاريخي الذي شهدته المملكة.
إن ما ذكر أعلاه ليس مجرد أرقام ونسب جامدة، إنما هو أكثر من ذلك ويقدم لنا عناوين التغيير المغربي.
إن نسبة المشاركة في الاستفتاء، لا تشبه هذه المرة تلك الأرقام والنسب التي ألفنا أن تمطرنا بها حواسيب وزارة الداخلية، أما النسبة المتبقية من ضمن المسجلين في قوائم الناخبين فلا يمكن الدفع بإطلاقية بأنها لم تذهب إلى مكاتب التصويت تأييدا لقرار المقاطعة، بل ربما الأقرب هنا إلى الحقيقة أن من اختار الدعوة إلى المقاطعة (وليس التصويت بلا)، هو من كان يريد الاختباء وراء مثل هذه النتيجة لنشر الوهم بأن كل من أحجم عن زيارة مكتب التصويت يوم الجمعة، قد فعل ذلك تلبية لندائه بالمقاطعة، وهذا على كل حال لن يقدم النضال الديمقراطي لشعبنا ولن ينفعه في شيء، ويدفعنا نحن من جديد إلى التذكير بحاجة الرفاق إلى العودة إلى التأمل في الشعار المبدئي «التحليل الملموس للواقع الملموس».
وعلى كل حال، فإن الملايين التي صوتت لفائدة الدستور الجديد منحت بذلك للمسار كله شرعيته الشعبية والديمقراطية، وصار من واجبنا كلنا اليوم الانتقال إلى المرحلة المقبلة، كما أن الإقبال الشعبي على التصويت، جاء عقب حملة مكثفة من لدن الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني وأيضا وسائل الإعلام العمومية والصحف المكتوبة، وهذه الدينامية التفسيرية والحوارية مكنت شعبنا من تملك المشروع الدستوري، ومن المسؤولية اليوم مواصلة دعم الأحزاب الجادة والإعلام لتطوير هذه الدينامية المجتمعية واستثمارها للقادم من استحقاقات.
الاستفتاء الدستوري لم يخل من إشارات ومن رمزيات أخرى لا تقل أهمية عن بلاغة الأرقام، فقد كانت صور الملك وباقي أفراد الأسرة الملكية، وهم يمارسون حقهم في التصويت داخل مكاتب الاقتراع، عنوانا آخر عن زمن مغربي جديد، كما أن خلو يوم التصويت من كل ممارسة من شأنها التشويش على العملية، فضلا عن الحياد العام للإدارة، كل هذا شكل أيضا عنوانا إضافيا للتحول.
وهنا نسجل أن الخطوة الشاردة التي أقدمت عليها وزارة الأوقاف قبيل يوم الاقتراع كانت خطأ فادحا وبلادة مسيئة لنا ولبلادنا ولمستقبلنا، ومع ذلك، فإن «نعم» المليونية والكاسحة، تجسد توقيع الشعب المغربي على التعاقد التاريخي الجديد مع ملكه من أجل التغيير، ومن أجل الديمقراطية والحداثة والتقدم والعدالة الاجتماعية والمساواة، هذه هي الدلالة الكبرى، فلنواصل إذن المسيرة.
[email protected]

Top