أمزازيات الزمن الكوروني في موسمها الثالث

تستمر وزارة التربية الوطنية في إصدار بلاغات آخر لحظة وحتى خارج أوقات العمل الرسمية، دون أدنى اعتبار لما قد تخلفه من أضرار لبعض الفئات داخل المجتمع. آخرها بلاغ تأجيل الدخول المدرسي والجامعي والتكويني المهني إلى غاية فاتح أكتوبر 2021. بلاغ وإن أطرب التلاميذ والطلبة ومجموعة كبيرة من الأطر التربوية بالقطاع العمومي،
فإنه ظل غامضا لدى فئة كبيرة من داخل قطاع التعليم العمومي والخاص، إلى أن تم الإعلان عن تعديل المقرر الوزاري لتنظيم السنة الدراسية الحالية من خلال إعادة برمجة مواعد العطل والامتحانات المدرسية وتمديد الموسم الدراسي إلى غاية شهر يوليوز 2022، حفاظا على الزمن المدرسي.
لكن الصدور المتأخر للبلاغ، لم يأخذ بعين الاعتبار ما سيترتب عنه من أضرار داخل القطاع الخاص. حيث أن المؤسسات التعليمية الخاصة استخلصت واجبات تدريس معظم التلاميذ من الأسر المعنية «التأمين، واجب شهر شتنبر». كما أن تلك المؤسسات مرتبطة بعقود عمل مع المدرسين. وعليها الوفاء بها. وعلى سعيد أمزازي أن يدرك جيدا أنه لا وصاية له على أي تعامل مالي بين تلك المؤسسات التعليمية والأسر، وبينها وبين أطرها التربوية والإدارية، باعتبار أنها مقاولات تجارية، وأن المطلوب هو التزامها بما هو تربوي تعليمي صرف. ونتمنى أن تتمكن تلك المؤسسات الخصوصية من تسوية ملفاتها مع الأسر والمدرسين، باعتبار أنه سيتم تمديد الدراسة إلى شهر يوليوز. علما أن هذا الشهر يدخل أصلا ضمن الزمن المدرسي الخصوصي وخصوصا على مستوى المستويات الإشهادية.
تأجيل الدخول المدرسي، يجب أن يراعي كذلك مطالب وحاجيات الكتبيين، وعلي الوزير مجالسة ممثليهم من أجل التنسيق والتوافق حتى لا يتضررون من هذا الإجراء.
دون الحديث عن أنماط التدريس المنتظر اعتمادها مدرسيا وجامعيا وداخل قطاع التكوين المهني. تعلم حضوري أو نصف حضوري أو تعليم عن بعد أو عن طريق التعلم الذاتي. وهي أنماط سبق وتم اعتمادها، ولم تفكر الوزارة الوصية ولا أية جهة معنية، في تقييمها. خصوصا أن الزمن المدرسي والجامعي الكوروني يدخل موسمه الثالث.
أظن أنه من العيب والعار الحديث عن «التعلم الذاتي» كنمط تعليمي يمكن اعتماده للتدريس. لأنه ببساطة هو نمط يلقي بمسؤولية التعليم إلى الأسر. حيث الاختلاف في الثقافة والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. ويجرد المدرسة من مهامها التربوية والتعليمية التي أسست من أجلها. والحديث عن التدريس عن بعد، باعتماد آليات رقمية، يعني حتميا الخوض في مدى أهلية المغرب المادية والعلمية وقدرته على تبني هذا التعليم الرقمي في ظروف وأجواء تضمن تكافؤ الفرص لكل المتعلمين، مع تقديم منتوج علمي جاد قابل للاستيعاب بالوسائل العصرية، وبطرق وأساليب سلسة تستهوي المتعلمين ولا تثقل كواهل الآباء والأمهات. فهل وفرت الحكومة، البنية التحتية التربوية الرقمية ؟. سواء منها الخاصة بالأستاذ و التلميذ، أو الخاصة بالأسر والمدارس. وخصوصا تلك المتواجدة بالمناطق القروية والتجمعات السكنية الحضرية الهشة، كالربط بشبكة الكهرباء والاتصال، والتوفر على العتاد الرقمي. وهل أعدت الوزارة الوصية، المناهج والبرامج الرقمية لكل مستوى تعليمي مدرسي أو جامعي أو تكويني ؟، أم أنها اكتفت بإضفاء وهم التغيير والتعديل على تلك المناهج والبرامج المستحدثة، بتناول مواضيع فيروس كوفيد 19. وحذف أو تغيير بعض الدروس، بتقديمها أو تأخيرها حسب المستويات الدراسية. فلا يعقل أن نعتمد نفس المناهج والبرامج التي تلقن حضوريا باستعمال الوسائل التقليدية المعتادة «السبورة، الطباشير، الدفاتر، الأقلام الجافة…»، في التعليم عن بعد. فلا الحصص الزمنية المبرمجة لها، ولا الطرق البيداغوجية والديداكتيكية المتبعة، ستمكن الأساتذة من تلقين التلاميذ. وضمان استفادتهم وتجاوبهم. ويكفي أن الوزارة الوصية، التي لجأت خلال النصف الثاني من الموسم الدراسي والجامعي ما قبل الماضي «السنة الكورونية الأولى»، إلى التعليم عن بعد. تفادت اختبار التلاميذ والطلبة في تلك البرامج التعليمية الرقمية. واختارت الاكتفاء بما حصلوا عليه خلال فترة التعليم الحضوري. بل إنها لم تصدر أي تقرير تفصيلي تقييمي لتلك الفترة الرقمية. ولو من باب الوقوف عن قرب، عن تجربة هي الأولى في المغرب، من أجل حصر الإيجابيات والسلبيات. واعتمادها من أجل الإعداد لتعليم رقمي، ليس فقط من أجل طرح البديل في الزمن الكوروني، ولكن من أجل أن يكون للمغاربة فرص التعليم الرقمي في كل مراحل حيواتهم، إن هم رغبوا في ذلك.
كل المؤشرات المادية والعلمية والديداكتيكية تؤكد عدم نجاعة التعليم عن بعد في المغرب. وأن هذا النوع من التعليم أدخل «الأم والأب، التلميذ، الأستاذ» في معاناة يومية خارجة عن إرادتهم . مشكلتنا في المغرب أننا نعتبر التعليم عن بعد، هو بديل للتعليم الحضوري. عوض اعتبارهما نموذجين ولازمتين متلازمتين للتعليم. يمكن اعتمادهما في أي وقت وحين. ولكل منهما خصائص ومميزات. صحيح أن من حسنات كوفيد 19 وباقي متحوراته، أنها سرعت اهتمام المغرب بالتعليم الرقمي. وأنه لا بديل لهذا النمط التعليمي إذا ما زادت حدة هذا الوباء. لكن على الكل أن يدرك أن الحكومة ارتكبت خطأ في حصر «التعليم الرقمي» داخل قطاع التربية الوطنية. ولم تدرك أن المدارس والثانويات والمرافق الجامعية لم تكن تؤدي دور المدرس الذي يلقن برامج الوزارة التعليمية وفق حصص زمنية وطرق محددة فقط . ولكنها تعتبر كذلك مشتلا لرعاية وصقل المواهب بكل إفرازاتها الثقافية والفنية والرياضية والحقوقية والبيئية. كان على الحكومة أن توصي كل القطاعات المعنية بالشباب بإعداد مناهج وبرامج رقمية موازية وجعلها رهن إشارة العموم. حتى يصبح التعليم الرقمي ضرورة، ملحة تفرضها متطلبات الحياة العصرية.

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top