إشارات تستحق الانتباه

في خضم الأحداث التي عاشتها بلادنا في الفترة الأخيرة، وما أفرزته من أسئلة تتعلق بالمستقبل وبتطور الأوضاع السياسية والديمقراطية، فإن كلمة جلالة الملك في مستهل أشغال المجلس الوزاري الأخير تضمنت إشارة اطمئنان التقطها كل المراقبين. لقد كان لافتا تأكيد جلالة الملك أن «الاعتداءات الإرهابية لن تزيد المغرب إلا إصرارا على السير قدما في إنجاز الإصلاحات الهادفة لترسيخ النموذج الديمقراطي التنموي المغربي المتميز في مناخ من الطمأنينة والاستقرار، وروح المواطنة المسؤولة».
لقد عاد ملك البلاد هنا ليجدد مرة أخرى الالتزام بالمضي قدما في مسلسل الإصلاحات السياسية والدستورية والديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية، وهذه إشارة لا تخلو أيضا من تكليف لباقي الفرقاء بضرورة انخراط الجميع في معركة تفعيل مسلسل الإصلاحات الشاملة.
أما الإشارة الملكية الثانية فقد تناقلتها الأخبار في اليومين الأخيرين اعتمادا على  مداولات الاجتماع الأخير للآلية السياسية المتعلقة بمراجعة الدستور، والتي يترأسها مستشار الملك محمد معتصم، حيث تم تجديد التأكيد على الالتزام بأجندة العملية الدستورية، بالإضافة إلى الإصرار على احترام المؤسسات، وعدم جر البلاد إلى أي شكل من أشكال الفراغ أو التراجع، وفي كل هذا حرص ملكي جلي على أن تسير العملية الإصلاحية ضمن منهجية ديمقراطية واضحة.
والإشارة الثالثة هنا هي الأخرى لا تخلو من «تقدمية» وإن كانت لا زالت محاطة بأسئلة وتحفظات، ويتعلق الأمر يقيام الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالرباط، ثم رؤساء الفرق البرلمانية ووفد عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان بزيارات لمقر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني.
وهذه الزيارات تؤكد أولا أن الحديث (والزيارة أيضا) لمثل هكذا مكان باتا متاحين، ما يبين حجم المسافات التي قطعها المغرب فعلا منذ ذاك الزمن حيث كان مجرد ورود الفكرة في الرأس يؤدي إلى أشياء عديدة يحفظها المناضلون والضحايا إلى اليوم، ويمكن اليوم لشعبنا ولقواه المناضلة أن يدفعا بهذا التحول إلى أقصاه، بالوصول إلى بلورة منظومة متكاملة لحكامة أمنية تقوم على الوضوح والشفافية والمراقبة المؤسساتية.
إن مثل هذه الإشارات تستحق الانتباه، وتستحق أكثر التثمين والإدراك من الحركية الشبابية القائمة في الشارع، وذلك حتى يتم التأسيس للأفق الواضح، وأيضا لانخراط جماعي في مسلسل التغيير.
غدا سننتهي من الدستور ومن التصويت عليه، وبعد ذلك ستنخرط البلاد في سلسلة عمليات انتخابية، فهل سيعمد البعض إلى ترك كل هذه الدينامية تسير، ويحافظ هو، في المقابل، على الثبات أو بالأحرى الجمود في الشارع؟
الدفاع عن مصالح الشعب وعن مطلب التغيير يتطلب نضجا أكبر ووضوحا أكبر ومسؤولية أكبر وقدرة على إبداع المواقف وعلى تطويرها.

[email protected]

Top