إصلاح الدستور وحده لا يكفي

شدد حزب التقدم والاشتراكية، سواء أثناء التجمعات والنقاشات العمومية التي نظمت في نهاية الأسبوع بالجنوب الشرقي للمملكة أو في تدخلات وتصريحات أمينه العام وعدد من قادته، على أهمية كسب رهان الإصلاح الدستوري الذي تخوضه بلادنا، لكن في نفس الوقت اعتبر أن «الإصلاح الدستوري وحده لا يكفي»، وهذا تنبيه في غاية الأهمية، ويستدعي يقظة الطبقة السياسية وكل الديمقراطيين اليوم.
البلاد في حاجة إلى دستور ديمقراطي متقدم يلج ببلادنا زمن الديمقراطيات الحقيقية وعالم القرن الواحد والعشرين، هذا صحيح، لكن تقديم المؤسسات الجديدة التي سينشئها الدستور الجديد إلى من لدينا اليوم في البرلمان وفي باقي المؤسسات المنتخبة من وجوه الفساد سيكون بمثابة الكارثة على بلادنا، وقد يؤدي إلى جعل ثورية النص الدستوري ذاته بلا معنى وبلا أثر على واقع البلاد والناس.
الإصلاح الدستوري لن يحقق أهدافه إذن من دون إصلاحات سياسية حقيقية تشمل استعمال المال في الانتخابات وحياد الإدارة وشروط الترشيح ونوعية المرشحين والمنتخبين، بالإضافة إلى مضمون قانون الأحزاب وأيضا واقع إعلامنا الوطني، ثم الاقتصاد والعدل، والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أي جيل جديد من الإصلاحات الشاملة، وهي وحدها بإمكانها تحصين الإصلاح الدستوري وتقوية فرص النجاح أمامه.
إن رهان المملكة لما بعد الاستفتاء الدستوري يوجد في إعمال الإصلاحات السياسية باستعجال وبشمولية، وأيضا تأمين استمراريتها، وهنا لا بد من وعي الجميع وانخراط كل الأطراف في هذا المسلسل الاستراتيجي بالنسبة لبلادنا ومستقبلها.
وان الإصلاحات المطلوبة اليوم، وفضلا عن كونها نصوص ومنظومات تدبيرية وسياسية، فهي أيضا إشارات، ومن هنا يفهم إلحاح عدد من القوى السياسية على أهمية إجراء تغييرات في الإدارة الترابية بالأقاليم، حيث أن الكل يعرف كيف تحول عدد من الولاة والعمال إلى مسؤولين إقليميين وجهويين لدى حزب معين، وليس منطقيا اليوم أن تتأسس الثقة في مثل هؤلاء للإشراف على انتخاب مؤسسات سياسية جديدة بتدبير وعقلية جديدين.
وفي السياق نفسه، فإن النجاح في تمكين المغرب من حكومة قوية تمارس كامل صلاحياتها، وبرلمان قوي وتمثيلي يمارس التشريع والرقابة الحقيقيين، يقتضي الحرص على تواجد النخب السياسية والحزبية والكفاءات الوطنية داخل المؤسسات، وبالنظر إلى واقعنا السوسيولوجي وتراكمات مسارنا الانتخابي، فإن هذا الهدف لن يتحقق من دون اجتهاد في النصوص والميكانيزمات، ومن دون انفتاح العقليات، واعتماد بعد النظر.
إن مرحلة ما بعد الاستفتاء الدستوري تضع أمام البلاد وأمام الطبقة السياسية تحديات جوهرية تستدعي الانتباه ومواصلة التعبئة لكسب الرهان، وذلك حتى تصير لدينا مؤسسات جديدة بنخب جديدة ذات كفاءة ونزاهة وحس وطني ونضالي، وهذا لن يتحقق من تلقائيته.
[email protected]

Top