إلى متى تظل هويتنا بطعم الاحتلال؟

سؤال واضح وصريح وجب على كل مغربية ومغربي إدراك معانيه وأبعاده، والترافع من أجل إنهاء مسلسل الإذلال والمهانة التي ألصقها بنا المستعمر الفرنسي والإسباني. فبعد مرور حوالي 65 سنة لم نوفق بعد من التخلص من بقايا الإرث الاستعماري الفرنسي والإسباني الفكري والسلوكي.. وخصوصا على مستوى بعض الظهائر والقوانين التي لازالت تشير إلى المغرب كمستعمرة، ولم يتم تعديلها لتوافق الوضع الحالي للمغرب كدولة مستقلة وقائمة بذاتها.. وكذا على مستوى بعض الأسماء والألقاب القدحية التي كان المستعمر الفرنسي يلصقها بالمغاربة ومحيطهم. وكل ذلك يعود إلى إهمال ولامبالاة مجالس النواب والحكومات المتعاقبة على تدبير شؤون البلاد، إذ لم تتمكن من تنقية وتطهير الهوية المغربية من عفن ورواسب الاحتلال الفرنسي والإسباني، ولا من محو عار المستعمر والخونة، والتخلص من القبح والمهانة والسخرية وفرض التبعية التي رسخها المستعمر في هويات المغاربة وأماكن عيشهم، وقوانينهم التنظيمية وإداراتهم. ولم تبادر حتى إلى حذف أسماء وألقاب تحط بالشرف والعفة والهوية المغربية، فرضت على المغاربة وفق قانون الحالة المدنية الذي أصدرته السلطات الفرنسية سنة 1882. وجعل بعض المغاربة يحملون ألقابا مهينة، ظلت لاصقة بهم وأبنائهم وأحفادهم وكل أفراد أسرهم.. أسماء لعاهات بشرية من قبيل (لعور، لطرش، مجنون، صمك، لقصير، لعوج..)، وأسماء لحيوانات وحشرات وعتاد وشخصيات منبوذة في التاريخ الإسلامي والمحلي أو ترسخ للفقر والجبن والإذلال.. وأسماء أخرى مشينة ومهينة. وإن كان بعض المغاربة تمكنوا من تغيير أسمائهم وألقاب أسرهم، فإن هناك آخرين لازالوا يحملون مهانة الاحتلال، ولم يوفقوا في تغييرها، إما لجهلهم بالمساطر اللازمة والمعقدة، أو لفقرهم أو للامبالاتهم. بل إن هناك قرى ودواوير لازالت تحمل أسماء خادشة للحياء والشرف. وتم الاحتفاظ بها. أخطر من هذا، لازالت مؤسسات عمومية، تعمل بظهائر سطرت في فترة الاحتلال من طرف المستعمر.. ظهائر ليست فقط متجاوزة بل إنها تتضمن عبارات مهينة للهوية المغربية. وتعتبر المغرب منطقة فرنسية. وخصوصا في قطاعات الفلاحة والعقار والمياه والغابات. نذكر منها مثلا الظهير الشريف 31 مارس 1937 المتعلق بضبط جلب الأسلحة والمتاجرة بها وحملها وحيازتها واستيداعها، والذي يجب إعادة النظر في مصطلحات يتضمنها تعتبر المغرب «منطقة فرنسوية» وغيرها من المصطلحات التي صيغت خلال حقبة ما قبل الاستقلال. كيف يعقل أن يعمل مغرب اليوم، بظهائر تعتبر المغرب دولة محتلة؟. وما دور السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية، إن لم تعمل على ضمان هوية واستقلالية المغرب والمغاربة؟. مرت عقود على جلاء المستعمر الفرنسي من التراب المغربي، وعوض العمل على توفير الموارد البشرية المغربية لتدبير شؤون البلاد ومرافقها الإدارية، ظلت الإدارة المغربية حبيسة الأنظمة والنصوص القانونية الفرنسية، تقتات من برامجها ومخططاتها ورؤاها و.. التي لم تعد تساير قطاع التنمية العالمي. ظلت حبيسة لغتها الفرنسية التي لم تعد تصلح للتواصل العلمي والتكنولوجي العالمي. طعم الاحتلال المر، استمر حتى بعد حصول المغرب على استقلاله، وبعد أن تسلل إلى صفوف المقاومين الأحرار شلة من الخونة، وتمكنوا من أخذ القيادة والصدارة، وتهميش المكافحين الشرفاء. حيث تمت تسمية مرافق عمومية وأزقة وشوارع بأسمائهم. وإن تم التخلص من بعضها. فإن (بصمة العار) لازالت بارزة بعدة مدارس ومساجد وأزقة، تحمل اسم (القائد فلان والقائد فرتلان). وأخرى لشخصيات مجهولة التاريخ والهوية. إن دستور البلاد الذي تم تعديله سنة 2011، يؤكد في بدايته على أن (المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها). فهل المغرب الآن مهتم بهويته وثقافاته، ومتشبث بوحدته الترابية؟ واقع الحال يغني عن السؤال. لازالت هويتنا تتنفس بطعم الاحتلال، عاجزة على التخلص من هذا الوباء الذي خلفه الآباء والأجداد مرغمين أو غافلين وجاهلين. ولازال المغرب يعاني من أجل وحدته الترابية شمالا وجنوبا. وبقدر ما نجده يصب كل طاقاته صوب المناطق الجنوبية بالصحراء المغربية، التي يبسط نفوذه عليها، بقدر ما نجده غير مهتم بأراضيه السليبة بالشمال، إلى درجة أنه لم يبادر حتى إلى ذكر اسمي مدينتي سبتة ومليلية والجزر المغربية ضمن التقطيع الترابي للبلاد الذي يضم 12 جهة. علما أنه كان من الواجب رسم جهة 13 سليبة تحتوي على تلك المناطق المحتلة، وتعيين واليا لها مقره بالرباط أو طنجة.

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top