احترس.. الهاتف الذكي يؤثر في ابنك المراهق أكثر مما تتصور!

قبل عدة سنوات، حاول فريق بحثي من جامعة ميتشجان دراسة الدور الذي يلعبه وجود الهواتف الذكية في معسكرات الطلبة الصيفية، التي من المفترض أن تدعم القدرات التواصلية وتبادل الأفكار لديهم، وقد كانت هناك بالفعل جوانب إيجابية لوجود الهاتف الذكي مع الأطفال، فقد مكنهم ذلك من التقاط صور وفيديوهات ممتعة لنشاطاتهم، وفي الوقت نفسه اطمأن الأهل بدرجة أكبر على أطفالهم.

على الجانب الآخر، كانت الجوانب السلبية أكثر وضوحا بحسب الدراسة، حيث كان هناك ميل واضح لدى المشاركين للانشغال بالهواتف الذكية، وهو ما منعهم من المشاركة الكاملة في النشاطات المطلوبة، ترفيهية أو تعليمية، لكن الأكثر لفتا للانتباه كان امتناع الكثير من الطلبة عن الاشتراك في الألعاب وفقرات المواهب خشية أن يقوم أحد بتصويرهم ورفع المقاطع على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما قد يكون محرجا لهم، وربما يجعلهم موضوعا للتهكُّم في المدرسة على مدى فصل كامل أو أكثر.

من جهة أخرى، كان دور الآباء مثيرا للجدل ومناقضا للدور المفترض أن يقوموا به، وحتى مع إقرار قانون في عدة معسكرات يقضي بالقدوم دون هواتف ذكية، ساعد الآباء أطفالهم على إخفاء الهاتف الذكي كي يتجاوزوا القانون.

بالطبع يفهم السبب في ذلك، وهو خشية الأب أو الأم من فقدان التواصل مع الطفل من أجل الاطمئنان عليه، لكن ذلك التصرف يعد -في حد ذاته- مشكلة كبيرة، لأنه ليس من المفترض أن يقوم الطفل، في معسكرات كتلك، أو خلال رحلات المدرسة، أو أيٍ من الأنشطة اليومية المشابهة التي يقوم بها أي طفل في العالم، بالتواصل مع الآباء باستمرار، فالدور الرئيس الذي يفترض أن تقوم به تلك الأنشطة هو تعزيز الاستقلالية لدى الأطفال.

على جانب آخر، فإن أحد أسباب اهتمام الآباء بوجود الهواتف الذكية مع أبنائهم هو تصور غير صحيح مفاده أن هذه الأجهزة يمكن أن تعوض وجودهم، بمعنى أوضح فإن أكثر ما يرعب آباء العالم المعاصر هو خروج الأطفال للعب، سواء مع الأصدقاء في الحدائق، أو الشوارع، أو حتى خارج المنزل، فمع تزايد المخاوف من الاختطاف والتحرش والاغتصاب سيتولد لدينا شعور بالرعب في كل لحظة لا نتمكن فيها من الاطمئنان على أطفالنا، بذلك يمكن للهاتف الذكي، بوصفه أداة “تواصل”، أن يجمع الشتيتين معا، ويمكن الآباء من ممارسة مهامهم الاجتماعية من المنزل أو العمل.

مغالطة كبيرة

لكن ذلك الفهم المغلوط للتواصل ينطوي على خطأ كبير، ويمكننا في تلك النقطة أن نتأمل مجموعة من الأبحاث أُجريت بواسطة النفسانية جين توينج من جامعة سان دييجو على مدار أكثر من 5 سنوات، وبما يشمل أكثر من نصف مليون طفل، حيث وجدت أن الأطفال الذين يستخدمون الهاتف الذكي مدة أكثر 3 ساعات في اليوم هم أكثر عرضة، بمقدار الثُّلث، للشعور باليأس، والإحباط، والوحدة، أو ربما التفكير في الانتحار، علما بأن ارتفاعا بنسبة 50% في معدلات الاكتئاب والانتحار أرجعته الدراسة إلى وجود الهواتف الذكية في أيدي الأطفال والمراهقين بين 12-14 سنة، على وجه الخصوص.

في كتابها “تغير العقل”، تشير العالمة والكاتبة البريطانية واسعة الشهرة سوزان جرينفيلد إلى استفتاء ضم أكثر من 1500 مراهق بريطاني لتقييم أي تطبيقات التواصل الاجتماعي لها تأثير أسوأ على صحتهم النفسية، وقد جاء الترتيب كالتالي: يوتيوب (الأفضل)، ثم تويتر، ثم فيسبوك، فسناب شات، وأخيرا إنستغرام (الأسوأ)، وتعد هذه النتيجة متوقعة لأن عالم إنستغرام تحديدا مسكون فقط بالصور وما تحمله معها من رغبة في الظهور.

صمم هذا الاستفتاء لقياس عدد من التأثيرات المحتملة لمواقع التواصل على الصحة النفسية، مثل تقبل الآخرين، والدعم العاطفي، والقلق، والاكتئاب، والتأثير على النوم، وصورة الشخص عن نفسه، والوحدة، والهوية، وصورته عن جسده، وبناء الصداقات، والتنمر.

 في النهاية، تستنتج جرينفيلد أنه مع استمرار غزو هذه التطبيقات لحياتنا، أصبح المراهقون يشعرون أنهم أقل أهمية، وأقل استمتاعا بالحياة، وأقل انخراطا في الأنشطة المنزلية، وفي العلاقات سواء كانت الصداقة أو العلاقات العاطفية، كذلك كانت تلك النسبة أقل حصولا على القدر الكافي من النوم.

الأكثر من ذلك، وكما رصدت دراسة صدرت في أبريل 2019، ونشرت في دورية “تشايلد ديفيلوبمينت”، فإن مراهقي اليوم صاروا أكثر بطئا في سيرهم ناحية تحمل المسؤوليات مقارنة بأي وقت مضى، حيث وجدت الدراسة أن الأبناء من هذه الفئات العمرية لم يعودوا ينخرطون، أو يحاولون الانخراط بحماس، في نشاطات الكبار، مثل قيادة السيارات أو الخروج بدون الأهل أو العمل من أجل الحصول على راتب.

سموم المحتوى

من جهة أخرى فإننا نواجه مشكلة أساسية تتعلق بالمحتوى الذي يتعرض له المراهق من خلال الهاتف الذكي، فبجانب خطر التعرض إلى محتويات جنسية أو عنيفة لا تناسب الفئات العمرية الصغيرة، فإن الخطر الأكبر يكمن في الإعلانات التي لا يجد الآباء مشكلة في تعرض أطفالهم لها، سواء عبر شاشات التلفاز أو الهاتف الذكي -ربما بسبب عدم قدرتهم على التحكم فيها-، على الرغم من أن هناك ارتباطا واضحا بين تزايد استهداف صناعة الغذاء للأطفال تسويقيا وارتفاع نسب السمنة لدى الأطفال على سبيل المثال.

بعبارة أكثر وضوحا، تتناسب السمنة في الأطفال تناسبا طرديا مع عدد الساعات اليومية التي يشاهدون خلالها التلفاز، أو يتفقدون هواتفهم الذكية، حيث يرتفع استهلاكهم بمقدار نحو 50 سعرة حرارية يوميا لكل ساعة مشاهدة إضافية، وهذا رقم ضخم على الرغم من كونه يبدو ضئيلا في ظاهره، لأننا هنا نتحدث عن استهلاك يومي، حيث تعتبر زيادة في استهلاكنا للطاقة بقيمة 150 سعرة حرارية إضافية يوميا سببا كافيا للإصابة بالسمنة، لذلك فإن متابعة طفل للتلفاز لمدة تزيد على ثلاث ساعات فقط يوميا تعني أن هناك احتمالا بنسبة 50% أن يصاب بالسمنة مستقبلا!

أضف إلى ذلك أن دراسة صغيرة من جامعة أوهايو، صدرت في ديسمبر 2020 الماضي، رصدت ظاهرة جديدة بدأت بالفعل في التفشي في وسائل التواصل الاجتماعي، وهي أن شركات السجائر الإلكترونية تنفق أموالا طائلة على حملات الدعاية عن طريق مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة إنستغرام.

اللافت للانتباه أن الدراسة تحديدا فحصت منشورات هؤلاء المؤثرين الذين يدخنون سجائر إلكترونية في مقاطعهم لكنهم لا يضعون أية إشارة إلى أن هذه المادة إعلانية، وفي تلك الحالة تحديدا، يكون المراهقون عرضة للتأثُّر بشكل ملحوظ بما يقدمه المؤثر بوصفه أسلوب حياة أكثر مما يقدمه بوصفه إعلانا مدفوع الأجر.

على كل حال، فإن محاولات شركات التبغ لاختراق الهواتف الذكية للمراهقين ليست جديدة، ففي عام 2012 وجدت دراسة نشرت في دورية “توباكو كونترول” أنه على الرغم من أن توفر محتوى مؤيد للتدخين في متاجر التطبيقات الخاصة بالهواتف الذكية ينتهك المادة 13 من اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ، وجد الباحثون 107 تطبيق مؤيد للتدخين في متجري آبل وأندرويد، بل إن بعضها احتوى على صور صريحة للعلامات التجارية للسجائر.

الحرص على الاعتدال قبل السقوط في الإدمان

كن أن نتصور الحياة بدون إنترنت وهواتف ذكية؟ بالطبع لا، سوف تتوقف الحياة تقريبا، ونحن أيضا لا نريد أن نوقفها، لأن ذلك لن يقطع عنا سيل الفوائد الجارف فقط، بل سيقطعنا نحن أيضا عن العالم المتواصل مع بعضه بصورة فائقة. نعم، على الطفل أن يتعلم مهارات التعامل مع الإنترنت وتطبيقات الهواتف الذكية في سن مناسبة، لكن الفكرة هي أن نلفت الانتباه إلى ما يظن الناس أنه غير مؤثر بالمرة في أطفالهم، في حين أن الأمر خلاف ذلك تماما.

بالطبع إن تلك النتائج، خاصة التي تربط بين الهواتف الذكية ومعايير الاكتئاب، لا تزال غير مؤكدة، وتحتاج إلى المزيد من العمل لإثبات علاقة سببية، لكن هناك ميلا بحثيا للقبول بها. من جانب آخر، بالنسبة لك، فإن إجابة بعض الأسئلة قد ينبهك إلى وجود مشكلة، بغض النظر عما إذا كانت هناك علاقة بين كل تلك الاضطرابات والهواتف الذكية أم لا: كم ساعة يقضي ابنك أو ابنتك يوميا على هاتفه الذكي؟ هل يحصل على قسط كاف من النوم أم أنه يتأخر يوميا بسبب أضواء الهاتف التي تضرب عينيه قبل النوم بلحظات؟ هل يمارس الرياضة بانتظام؟ هل يقضي وقتا حقيقيا مع الأصدقاء والعائلة؟ هل يقوم بعمل واجباته المنزلية بتركيز ومستوى مناسب؟ هل يشارككم وجبات الطعام الجماعية أم يفضل الانزواء في حجرته مع هاتفه الذكي لفترات طويلة؟

حينما تميل الإجابة عن هذه الأسئلة ناحية “لا” فنحن هنا نقف أمام سلوك قهري، يشبه في أثره ما يفعله القمار، حيث يمكن في مرحلة ما أن نشخص ميل الطفل الشديد إلى البقاء على الهاتف الذكي وتفقده من حين إلى آخر، بمعدل يفوق 50 مرة في اليوم الواحد، على أنه درجة من درجات الإدمان، درجة ليست مرضية بالطبع، لكنها ذات أثر سلبي يستحق الاهتمام والمتابعة.

شادي عبد الحافظ

Related posts

Top