اختتام تظاهرة “شواطئ الشعر” في دورتها الرابعة بشاطئ الوطية بطانطان

 حجوا بالمئات، يوميا، إلى خيمة الشعر والشعراء لدار الشعر بمراكش، شعر وموسيقى وتجارب نقدية وفضاء القراءة العمومية، ورشات للمسرح والشعر والإلقاء وأخرى للحكاية الشعبية، منحوتة رملية تؤرخ للحظة ثقافية تغير مفهومنا للمكان.. الشاطئ فضاء آخر للأدب ولقراءة الشعر وللقاء جمهور عاشق للكلمة وبهاء الحرف. كل مساء، يلتئم الجمهور بجنبات خيمة الشعر لدار الشعر بمراكش على ضفاف شاطئ الوطية، بين رمال الشط وسند الخيمة يمارس الجميع طقوس شرب الشاي، وتحتضن الخيمة الجميع.. يقرأ الشعراء “كل بلغاته”، ويتقاسمون الفرح والجمال مع الجمهور، أجيال للطرب الحساني وشباب طانطان يمتحون من التراث الحساني، من معين لا ينضب يشكل إحدى أرقى تجليات التراث المادي واللامادي.. والاختتام كان كوة على المستقبل، أطفال ورشات دار الشعر بمراكش، بتأطير من الأستاذ مختار مجيديلة يقدمون لوحة شعرية ممسرحة تتغنى بالمكان وبالإنسان.

شواطئ الشعر تواصل السفر بين المدن الشاطئية

على امتداد ثلاثة أيام (4 و5 و6 غشت الجاري)، نظمت دار الشعر بمراكش، بإشراف من وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة وبتنسيق مع المديرية الجهوية لقطاع الثقافة جهة كلميم واد نون والسلطات المحلية بالوطية، فعاليات الدورة الرابعة لتظاهرة “شواطئ الشعر” بفضاء شاطئ الوطية (طانطان). واستضافت الدورة الرابعة ثلة من الشعراء والنقاد والفنانين، إلى جانب تنظيم فقرة “تجارب شعرية ونقدية” خصص موضوعها لمحور “الشاعر واللغة” احتفاء بتجربة الناقد والباحث الدكتور اسليمة أمرز. هذه الفقرة التي تناولت سؤال “الشاعر ولغاته” ضمن سؤال إشكالي، حاول المتدخلون: الناقد الدكتور بوزيد لغلى والشاعر والمسرحي عبد اللطيف الصافي والأستاذة حدهم لكتيف، ملامسة واستغوار علاقة الشعر بلغاته ضمن أسئلة التنوع الثقافي والتعدد اللغوي الذي يشهده المغرب.

وتندرج هذه التظاهرة الشعرية الكبرى، ضمن انفتاح دار الشعر في مراكش على مختلف المدن والجهات المغربية الجنوبية، وأيضا من أجل المزيد من الانفتاح على فرص تداول الشعر بالفضاءات العمومية وفتح منافذ جديدة لتداول الشعر بين جمهوره. واختارت دار الشعر بمراكش تنظيم الدورة الرابعة للملتقى بمدينة الوطية، بعدما انتظمت الدورات السابقة في كل من سيدي إفني وأكادير والصويرة. وحفلت هذه التظاهرة بتنظيم أماسي شعرية (سحر القوافي وضفاف شعرية)، وتقديم فقرات موسيقية متنوعة لكل من فرق أجيال للطرب الحساني وشباب طانطان،. كما شهدت الفعاليات تنظيم ورشات الشعر والمسرح والقراءة والإلقاء، قام بتأطيرها يوميا الأستاذ مختار مجديلة وورشة للحكاية الشعبية موجهة للأطفال واليافعين أشرفت عليها الحكواتية سعادو صديقي، وظل فضاء القراءة العمومية، لمكتبة دار الشعر بمراكش، مفتوحا يوميا أمام عموم المصطافين والجمهور.

 

تجارب شعرية ونقدية تحتفي بالباحث اسليمة أمرز وبمحور “الشاعر ولغاته

ضمن فقرة تجارب شعرية ونقدية، والتي خصص موضوعها لمحور “الشاعر ولغاته” ضمن سؤال إشكالي احتفاء بتجربة الناقد والباحث الدكتور اسليمة أمرز، حاول المتدخلون: الناقد الدكتور بوزيد لغلى والشاعر والمسرحي عبد اللطيف الصافي والأستاذة حدهم لكتيف، ملامسة واستغوار علاقة الشعر بلغاته ضمن أسئلة التنوع الثقافي والتعدد اللغوي الذي يشهده المغرب. الناقد والباحث الدكتور بوزيد لغلى تتبع أثر البيئة في منجز شعراء الحسانية (نماذج وتجارب)، وقد نوهت الورقة بالمجهود الجبار الذي تتطلع به دار الشعر بمراكش في نشر ثقافة الاهتمام بالشعر بكل لغاته شاكرا الدار عملها الدؤوب من أجل تقريب الشعر والموسيقى الحسانيين من رواد الشواطئ الجنوبية المغربية الممتدة على ضفاف الأطلسي، من أجل استعادة مكانة الشعر في حياة الناس، وخاصة في فضاءات التخييم وفضاءات الاصطياف.

في محور الشاعر ولغاته، تناول الباحث من وجهة نظر نقدية، أهم الخصائص المائزة للشعر البدوي أو شعر شعراء البداوة، من حيث اللغة والصورة.. إذ يتميز الشعر الحساني البدوي بجزالة اللفظ وغرابته أحيانا، كما تتميز الصور الشعرية في تجارب شعراء البادية باقتناصها من البادية بوصفها كونا ثقافيا وعمرانا قائما على ثقافة الأخبية (نموذج تجربة الشاعر محمد سالم الري). من جهة ثانية، من المؤكد أن شعر الحضر الحساني يمتاز بطراوة الحضارة والمعجم أكثر ليونة من معجم شعراء التبدي (شعر اسويح).

وعن تجربة الناقد والباحث اسليمة أمرز، فمن أبدع ما قيل “شهادة الفعال أولى من شهادة الرجال”، وهذا ينطبق تماما على الناقد الدكتور أمرز، الذي تشهد له أعماله ومنجزاته في ميدان البحث الأكاديمي والعطاء العلمي أنه نسيج وحده كما يقول المثل، أمرز قمة في الأخلاق وقامة في العلم والمعرفة، ملتزما بأخلاقيات البحث العلمي من حيث الجدية والصرامة المنهجية والأمانة العلمية. ويعد الدكتور سليمة أمرز رائد الدراسات المسرحية وقضايا الفرجة في الثقافة الحسانية، هو أول من حصل على درجة الدكتوراه في حقل ما بات يسمى دراسات المسرح الحساني، فضلا عن كونه من أوائل من ألف كتبا في أشكال الفرجة والتمسرح.

الشاعر والمسرحي عبد اللطيف الصافي نوه في البداية إلى ما حققته دار الشعر بمراكش من تراكمات، انصبت في مجملها حول قضايا الشعر والشعراء وبصمت على ما يختزنه من تعدد وتنوع ومن حوارية الشعر والفنون، ضمن مداخلة وسمها بـ “لغة الشاعر وشاعرية النص المسرحي”. ويبدو لي أن الاهتمام سينصب أساسا على اللغة، يؤكد الصافي، على اعتبار أن الشعر عموما هو اللغة، بما هي الأداة الأميز والأهم التي تشكل مجال عمل الشاعر وإبداعه.

لكن الحديث عن اللغة يدفع إلى التساؤل عما إذا كان المقصود هو اللغة التي يكتب بها الشاعر قصائده، وهي في حالتنا المغربية قد تكون عربية فصحى أو دارجة عامية أو أمازيغية أو حسانية أو أي لغة من اللغات الأجنبية.

وجوابا على سؤال كيف يختار الشاعر لغة الكتابة؟ ولماذا يختار الشاعر أن يكتب بهذه اللغة أو تلك؟ يؤكد الشاعر عبد اللطيف الصافي أن حركة الشعر في المغرب سعت إلى فتح رهانات القصيدة على شعريات مفتوحة على اللغة، وفق ما أشار إليه الشاعر والناقد عبد الحق ميفراني في تقديمه لملف حول المنجز الشعري المغربي، ذلك أن الشعر المغربي متعدد في لغاته وأساليبه ومتخيلاته ومقترحاته وآفاقه الجيوثقافية، كما يقول الشاعر والأكاديمي عبد اللطيف الوراري، وكل الجماليات التي يمكن أن يتصف بها المتن الشعري المغربي الفصيح تكاد تكون هي نفسها الموجودة في الشعر الأمازيغي والحساني أو في الزجل.

وبالانتقال إلى المسرح نجد أن العلاقة بين اللغة والمسرح معقدة ومركبة. فهل للمسرح لغته الخاصة؟ وهل اللغة في المسرح هي اللغة المنطوقة، أم المكتوبة؟ أم أن اللغة في المسرح هي مجمل العملية الإبداعية بما فيها النص المكتوب والنص البصري الذي يتحقق فوق خشبة المسرح؟ إن اللغة المسرحية لا تقتصر على الكلام المنطوق فحسب، بل هناك لغات أخرى تتمثل في مختلف العناصر المؤثرة في العرض المسرحي (الإضاءة والموسيقى والديكور…) وهذه العناصر هي التي تحقق التواصل بين المتلقي/ المتفرج واللغة المنطوقة في العمل المسرحي بما هي لغة الحوار المسرحي التي لا تكتسب أهميتها ومشروعيتها إلا من علاقتها التواصلية والاندماجية المتحققة مع الممثل من جهة ومع المتفرج من جهة أخرى؛ لكنها لا تكتمل إلا بتظافر اللغات الأخرى المتشابكة داخل العرض المسرحي.

الأستاذة حدهم لكتيف توقفت عند مسار الباحث اسليمة أمرز المربي والإنسان، في قدرته على نسج تفاصيل الإنساني والرفع من مهارات طلبته، والتشجيع على الخلق والإبداع.

وتدخل الباحث اسليمة أمرز في نهاية فقرة “تجارب شعرية ونقدية”، معربا على تقديره الكبير لمبادرة دار الشعر بمراكش والتي تظل رائدة في قدرتها على الانفتاح على الفضاءات العمومية المفتوحة، الذهاب بالشعر إلى ضفاف أخرى ونسج علاقات جديدة مع المتلقي وترسيخ لثقافة الاعتراف.  

 شعراء سحر القوافي وضفاف شعرية يتقاسمون الجمال مع جمهور الشواطئ

تم افتتاح فعاليات الدورة الرابعة لتظاهرة “شواطئ الشعر”، الجمعة 4 غشت بفضاء شاطئ الوطية، بتنظيم أولى الأماسي الشعرية والموسومة بـ “سحر القوافي”، من تقديم الإعلامية هدى منصوري، وعرفت مشاركة الشعراء: عمر الراجي، عزيزة لعميري، ويارا محمد مبارك، فيما أحيت مجموعة أجيال طانطان للطرب الحساني برئاسة الفنان مصطفى أميدي، الحفل الفني لليوم الأول. وقرأ الشاعر عمر الراجي بعضا من قصائده الجديدة، ابن طانطان والمتوج بجوائز عربية ووطنية، اختار كعادته النبش في اللغة في علاقتها بذات الشاعر:

“ما بين شَعْرِكِ والمنفى.. حدودُ يدي/ هذا هو الحُب:/ أشواقٌ إلى الأبدِ / في هوْدَج الريح تبدو الشمس متعَبةً / تخفّفي يا سماءَ الريح من جسدي / ولْتَمْنَحيني بلاداً لا إمامَ بها / ولا قبائلَ / لا شيءٌ من الْفَنَدِ / لقد خسِرنا كثيراً مِن براءتِنا / وقد خسرتُ صِبا قلبي ووَجْهَ غدي/…/ صحراءُ ذاكرتي عمياءُ.. يا امرأةً/ منها رأيتُ خيالاتي ومُفْتَقَدي/ الجزرُ يسبحُ.. والأمواجُ أرهقها/ أفُولُنا.. في مساءِ الأنُجُمِ الجُدُدِ/ كُوني إذن زُرقَةً في البحر واشْتَعلي/ قبل الغُروب.. مسافاتٍ مِن الزّبَدِ/ هناكَ أحضنُ فيكِ البحر سيّدتي/ منفى عِناقِكِ أحلى مِنْ هوى بَلدي!! “

وافتتحت الشاعرة عزيزة لعميري، والتي ناقشت الشهر الماضي أطروحتها الجامعية، قراءاتها بقصيدة “مرتجلة الوطية” تحية شعرية لدار الشعر بمراكش ولجمهور الوطية، كما سافرت بالجمهور الى حيث “تجري الرياحُ بما شاء الإلهُ لها،// للّٰهِ نحنُ وموجُ البحرِ والسُفنُ..”. واختتم الشاعر الحساني، يارا محمد مبارك، أمسية سحر القوافي بقصائد متنوعة في موضوعاتها، في المديح، والوطن والبحر.

وتواصلت فعاليات “شواطئ الشعر” في دورتها الرابعة، يوم الأحد 6 غشت مع فقرة “ضفاف شعرية” في ثاني الأماسي الشعرية والفنية للتظاهرة. شارك الشعراء: الطاهر خنيبيلا، وخديجة لعبيدي (ناها)، ورضوان آيت مقور، ضمن حوار شعري حساني زجلي، فيما أحيت مجموعة شباب طانطان للطرب الحساني الحفل الفني لضفاف، من خلال حوار مباشر بين الفرقة والجمهور “الشاعر”، ضمن تفاعل لحظي بين جمهور الشعر والموسيقى.

“دار الشعر الشعر اعطات.. معناه الي فيه ابدات/ ومنين الجات اتولات.. باهتمام وطات مدلول”، مطلع نص طويل خص به الشاعر الطاهر خنيبيلا دار الشعر بمراكش، في فقرة ضفاف شعرية، خصصتها الدار لحوار شعري حساني زجلي. وسافر الشاعر خنيبيلا بالجمهور بين مواضيع مختلفة، واختتم في المديح، بنص شعري حساني يؤشر على هذا المنجز الغني في “هوية القصيدة المغربية”. الشاعرة خديجة لعبيدي “ناها”، اقتطفت “تبريعات” شذرية قصيرة في موضوعتي “الحب” و”الحكمة”، ضمن نسج شعري يعطي للنص الشعري الحساني (لغنا) تجذره في الوجدان الشعبي.

منحوتة رملية وورشات الشعر والحكاية وفضاء القراءة على المحيط

افتتحت ورشات الشعر الممسرح والصوت والتجسيد الحركي والحكاية الشعبية للأطفال واليافعين، والتي خصصت لمرتفقي ومرتفقات المخيم الصيفي الوطية، فعاليات الدورة الرابعة لـ “شواطئ الشعر”، من تأطير الأستاذ المختار مجديلية فيما أطرت “الحكواتية” سعادو صديقي ورشة الحكاية الشعبية. واشتغل المؤطر مع أطفال الورشات، من خلال إعداد لوحة مسرحية ضمت نصوصا تتغنى بجمال شاطئ الوطية وبمدينة طانطان. وقدم الأطفال لوحتهم المسرحية في اختتام الفعاليات، أمام جمهور غفير غصت به جنبات خيمة الشعر. واحتضنت قاعة العروض بالمخيم الصيفي الوطية، فعاليات الورشات، وأعد الأستاذ مجيديلة للمرتفقين تمارين خاصة بالإلقاء والتعبير الجسدي وألعاب حركية.

وأشرف الفنان علي سالم يارا على إعداد ونحت المنحوتة الرملية، في ترسيخ للحظة فنية ضمن هذه الحوارية بين الشعر والفنون. المنحوتة التي انشغلت بعنوان التظاهرة، شواطئ الشعر والرمز الأيقوني لدار الشعر بمراكش، نسجت تلقيا جماليا جديدا لفضاء الشاطئ. وعلى امتداد الفعاليات، ظل فضاء القراءة العمومية مفتوحا أمام جمهور الشاطئ، ضمن حرص من دار الشعر بمراكش أن تكون تظاهرة “شواطئ الشعر”، فضاء ثقافيا واجتماعيا يسعى لتجسير الهوة بين الجمهور والشعر، ضمن برمجة مفتوحة تسمح باللقاءات المباشرة للمبدعين وجمهورهم، كما شكل على الدوام، وضمن ما شهدته الدورات السابقة (سيدي إفني وأكادير والصويرة)، من سفر الشعر بين الأمكنة والفضاءات ضمن ذروة عودة المهاجرين المغاربة للوطن.

وتندرج الدورة الرابعة، من تظاهرة “شواطئ الشعر” ضمن انفتاح دار الشعر في مراكش على مختلف المدن والجهات المغربية، وأيضا من أجل المزيد من خلق فرص تداول الشعر بالفضاءات العمومية، إحدى اللحظات الرمزية المليئة بالحس الاجتماعي والتلاقي.

Related posts

Top