اختلاق معارك الوهم

تثير الخرجات الإعلامية الأصولية هذه الأيام واختلاقها «الاستنفار» بشأن الهوية، الاستغراب فعلا، خصوصا أن مشروع النص الدستوري الجديد لم يتم بعد الكشف عنه كاملا، وتكتفي تصريحات بعض الوجوه الإسلاموية وافتتاحياتهم وأيضا البلاغات الرسمية الصادرة عن هيئاتهم بالارتكاز على «ما يتم تداوله في الموضوع» أو «الأخبار التي وصلتنا»، علما أن منهم من أنصت لما عرضته اللجنة الاستشارية خلال اجتماع الآلية السياسية، وأدلى عقب ذلك بتصريحات مشيدة ومنوهة بعمل اللجنة وبمضمون المسودة.
الأمر ينبهنا أيضا إلى هذا الإصرار الأصولي عند كل محطة تاريخية في المسار الحقوقي والديمقراطي لبلادنا على امتطاء ظهر فهم خاص للأحكام الدينية، بغاية تهييج الناس لرفض الإصلاح (خطة إدماج المرأة في التنمية، واليوم معركة الإصلاح الدستوري)، وفي نفس الوقت هم يصرون على كونهم لا يستغلون الدين في العمل السياسي، وعلى أنهم لا يمارسون ازدواجية الخطاب.
لم ير العقل الأصولي في دسترة اللغة الأمازيغية لغة رسمية في البلاد سوى أن ذلك يستهدف اللغة العربية، ويهدد العمق العربي والإسلامي للمملكة، ولم ير في تعزيز تجليات الحداثة والديمقراطية والدولة المدنية في النص الدستوري سوى أن ذلك يهدد «إسلامية الدولة»، أو أنه «سيحول المغرب إلى لبنان جديد تتنازعه الطوائف والملل والنحل..»، بل إن منهم من حذرنا بأن البلاد ستسير نحو إباحة الشذوذ الجنسي والحرية الجنسية والمجاهرة بممارسات مخالفة للإسلام مثل الإفطار في رمضان، وقد «تغزونا» الكنائس والبيع في مختلف المدن والقرى…
المنظومة برمتها تستهين في الواقع بشعبنا، وتقدم الإسلام في المملكة كما لو أنه هش إلى هذه الدرجة، أو أن هذا البيت الذي يجمعنا ليس له من يحميه، كما أن المواقف تسبح في خلط عجيب بين الحديث أحيانا عن حرية المعتقد وعن الرافد العبري وبين التخويف أحيانا أخرى بإباحة الشذوذ الجنسي، وكل هذا بواسطة معجم ينهل من لغة التهديد والتخويف، ويصل إلى التلويح بمسيرات «للدفاع عن الهوية والمرجعية الإسلامية»، أو بالدعوة إلى التصويت برفض الدستور الجديد.
إن الاختيار المجتمعي الذي يخوضه المغرب، يقوم على الديمقراطية والحداثة، وهذه الأخيرة تعني أيضا الانفتاح على العالم واعتماد القيم الكونية لحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا، كما أن المغرب اختار تكثيف تعاونه وعلاقاته مع العالم المتقدم في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وذلك يعني الانخراط في دينامية السعي الكوني من أجل الحرية والمساواة والعدالة وحقوق الإنسان، أما معتقدات المغاربة ودينهم وهويتهم المتعددة فقد نجحت المملكة دائما في حمايتها، وفي بلورة «الاستثناء المغربي» الذي جعلنا لا نشبه لا المسلمين في الخليج ولا المشارقة ولا الإيرانيين، بل لا نشبه سوى أنفسنا.
[email protected]

Top