ارتباك ياباني

قد يبدو من خلال قراءة هذا  العنوان أن الأمر غير صحيح، وأن هناك خطأ ما في التقرير، أو  نوع من التحامل على شعب يعرف عنه  الدقة في التنظيم، والضبط في المواعيد والبرمحة الناجحة، واحترام قيمة الوقت والحرص على الاستغلال الأفضل للثواني والدقائق، وأن المعدل السنوي لتأخر القطارات هو 7 دقائق، وليس بالساعات الطوال كما يحدث عندنا. 
كل هذه الصفات والمميزات، تأثرت بالنسبة لنا. أقدامنا تطأ بأرض اليابان، دولة التكنولوجيا العالية والبرمجة المتفوقة، وكأنك أمام شعب مختزل في جهاز كومبيرتر جد متطورة، لا تضطر في كل مرة إلى إعادة تشغيله قصد تجاوز التوقف المتكرر عن الاشتغال.
فكل زائر لأرض الساموراي يفاجأ حقيقة بكل هذا الارتباك الذي طرأ على تفاصيل الحدث الأولمبي، فمباشرة بعد النزول من الطائرة،  تبدأ المعاناة وطول الانتظار، وتعدد مصادر القرار، وتشعب تصريفها إلى درجة الملل. فمعدل الانتظار داخل المطار ما بين 5 إلى 7 ساعات، وهناك من الصحفيين الفرنسيين من انهار كليا بسبب معاناته مع مرضى السكري، أيضا مسؤولون من دول مختلف ووزراء، ظلوا لساعات حبسي قاعات، يحرم بداخلها تشغيل جهاز المكيف،  خوفا من انتشار كورونا. 
ولكم أن تتصوروا حجم التذمر والقلق، وصعوبة التنفس، داخل هذه القاعات التي يحشر داخلها حشرا، بشر من مختلف الجنسيات، في انتظار الفرج الذي قد يأتي أو لا تأتي، وهناك من قضى ليلة كاملة في انتظار السماح له بمغادرة المطار، نحو مقر الإقامة. 
والسبب الرئيسي وراء المسلسل الطويل من الإجراءات المعقدة، تتحمله اللجنة المنظمة المحلية، إذ فرضت على كل زائر لليابان خلال الألعاب ملأ استمارة خاصة بمعطيات شخصية، ذلك بالدخول إلى تطبيقات ضرورية، وبدونها لا يسمح لك نهائيا بالخروج من المطار، والكارثة العظمى أن كل هذه التطبيقات لا تشتغل بطريقة سليمة، بسبب الضغط الذي تعرفه، بل تجدها مغلقة لساعات أو حتى أيام، وبالتالي،  ما على الزائر، سوى الانتظار الذي قد يطول ويطول.
تهم هذه التطبيقات معطيات فردية، ومتابعة الحالة الصحية انطلاقا من بلد الإقامة، بالإضافة إلى تتبع دقيق لمراحل الخضوع لفحص كوفيد داخل بلدك، عن طريق مختبر مختص معترف به، وعندما يسمح له بالدخول إلى الأراضي اليابانية، فأنت مطالب بإخضاع اللعاب الخاص بك للفحص اليومي طيلة أيام الإقامة، وكل هذه التفاصيل تدون داخل الهاتف النقال، دون خطأ أو تأخر 
مع انطلاق المسابقات، وبداية الاشتغال، والتنقل اليومي إلى المركز الصحفي،  وملاعب وقاعات التباري، يصطدم الصحفي بارتباك آخر، فقيمة الوقت المحدد، بدقة متناهية فيما يخص وسائل النقل العمومي بطوكيو، وأغلب المدن، لا أثر له بوسائل النقل المخصصة للصحفيين، تأخر تعقيدات في توزيع الحافلات على الإقامة بالفنادق المعتمدة، ويمكن أن يصل الانتظار داخل المحطات لساعات، نظرا لقلة الحافلات وطول الطابور،  خاصة لحظة الخروج الجماعي للصحفيين بعد انتهاء المسابقات.
يحدث هذا في ظل حرارة مفرطة، وارتفاع نسبة الرطوبة، وتخوف من الإصابة بالوباء، وفي حالة اللجوء إلى سيارات الأجرة، قصد تفادي ساعات الانتظار، فالكل يعرف أن أقل فاتورة تفوق الـ 60 دولار، مع العلم أن كل مشارك سواء كان رياضيا أو مدربا أو مسؤولا أو صحفيا يحرم عليه استعمال الميترو أو حافلات النقل العمومي، وفي حالة ضبط أي مخالف، فالعقوبة التي تنتظره هى الترحيل فورا إلى بلاده.
هذا جزء مما عشناه و نعيشه قبل وبعد السفر إلى طوكيو بمناسبة الدورة الأولمبية. المنتظر هو أن تخف حدة الإجراءات، مع توالي أيام المنافسات، واشتغال أفضل للتطبيقات التي لم يتفوق حتى الآن الكومبيوتر الياباني في ضبطها، والتي تشكل مشكل حقيقى لكل مشارك.
«اريكاطو» وتعني باليابانية شكرا، وأنا شخصيا أشكركم على تحمل متابعة كل هذه التفاصيل المملة أحيانا، ولكن «هاد الشيء لي عطا الله» دون زيادة ولا نقصان.

>محمد الروحلي

الوسوم ,

Related posts

Top