الأجندة السياسية القادمة

بدأت تكتمل تدريجيا ملامح الصورة التي ستجسد المحطات السياسية والانتخابية للشهور القادمة، وهذا الحرص على توضيح «الأجندة» هو في حد ذاته مؤشر إيجابي، خصوصا إذا صار الإيقاع من دون إفراط في التأخير، وأيضا من دون تسرع، وبالتالي تركز الاهتمام، بدل ذلك، وبشكل أكبر بـ «جودة المنتوج السياسي» الذي تتطلع إليه البلاد من كل هذه الدينامية الإصلاحية.
بالرغم من كون الانتظارات لا زالت قائمة تجاه الوثيقة الدستورية المرتقبة، مع ذلك فإن جبهة الاستحقاقات الانتخابية والقوانين المؤطرة لذلك لا تخلو من أهمية إستراتيجية، اعتبارا لكون نتائج المسلسل الانتخابي، في النهاية، هي التي ستمنح المعنى والأثر الملموس لكل ما يجري التعبير عنه اليوم من إرادة سياسية، ولكل ما تتم صياغته من مقتضيات ونصوص.
إن القوانين الانتخابية تمثل مدخلا رئيسيا لانتخابات ناجحة وديمقراطية ومن شأنها الانتقال بمشهدنا الحزبي والانتخابي إلى مرحلة أخرى.
اليوم لا بد للمغرب أن يقطع مع الفساد الانتخابي بكل أشكاله، ولا بد أن تكون الانتخابات (أي الديمقراطية) بعيدة عن لوبيات الفساد.
اليوم لا بد من تقوية حضور النساء والشباب في العملية الانتخابية، ناخبين وأيضا مرشحين، وبالتالي توفير الآليات القانونية والتنظيمية والسياسية المحفزة على ذلك.
اليوم لا بد أن يجد المغرب الجديد الميكانيزمات المناسبة لإشراك الأطر الحزبية والكفاءات في تدبير المؤسسات التمثيلية، بما يؤدي إلى تقوية المصالحة بين النخب الوطنية وتدبير الشأن العام.
اليوم لا بد من وقف عبثية الترحال الحزبي سواء في البرلمان أو في الجماعات، ولا بد من القضاء على ظاهرة الغياب، خصوصا من طرف أعضاء غرفتي البرلمان.
وللتقدم في مسيرة تحقيق هذه الأهداف وغيرها، لا بد من تأهيل تشريعاتنا ذات الصلة بالعملية الانتخابية، بالإضافة إلى إعطاء إشارات موازية تهم مسؤولي الإدارة الترابية في الأقاليم والجهات، وعلى صعيد المراقبة وأيضا العملية التواصلية المواكبة لكامل المسلسل.
الدولة من واجبها، في هذه المرحلة، التعامل بعناية وبجدية مع مطالب القوى السياسية الحقيقية ومع مقترحاتها الخاصة بالقوانين والمساطر والمسلكيات، إنما الأحزاب ذاتها مدعوة من جهتها كي تستحضر دروس الماضي وتستفيد من متغيرات المحيط، وتلتقط الإشارات.
إذا فرضنا على النقاش الوطني أن يسبح اليوم في العتبات والسقوف عاريا إلا من ذاتيات تأبى التواضع والنظر إلى الواقع، فإننا سنكون قد جررنا إلى الرقص عراة، وبعيدا جدا عن مطالب المرحلة.
وإذا اعتقلنا المواقف والمقترحات قرب أنوفنا الحزبية وحساباتنا الصغيرة، سنكون أيضا كمن لم يفهم شيئا.
المسؤولية مشتركة اليوم بين الجميع، وذلك من أجل جعل محطة الانتخابات مناسبة لإعادة المصداقية والجدية للمعنى وللأشياء.

[email protected]

Top