تستعد بلادنا على غرار البلدان المتحضرة؛ للاحتفال بالدخول الثقافي، بهذه المناسبة كان لبيان اليوم اتصال بمجموعة من المبدعين والنقاد، من أجل الحديث عن الأعمال الجديدة التي يهيئونها للطبع، وقضايا أخرى ذات صلة بالثقافة بوجه عام.
ماذا تعد للطبع وما خصوصيته؟
< حاليا، توجد تحت الطبع في المغرب ثلاث مجموعات قصصية للأطفال، ومسرحية في مصر، فازت بجائزة الهيئة العامة للكتاب، خلال هذه السنة. كما ستصدر الطبعة الثانية لكتاب (أن تسافر) عن الهيئة كذلك. وهكذا ترى أن أعمالي تتوزع بين الصغار والكبار، وجلها تصب في خانة السرد، إما القصصي أو الرحلي، لأن هذين الجنسين الأدبيين يغريان المتلقي بالقراءة، وإن كنت مصيرا فيهما لا مخيرا، أي أنني لم أتعمّد الكتابة القصصية والرحلية، إنما هما من طبيعة اشتغالي بالكتابة.
> ما هي قراءتك للحركة الثقافية خلال السنة الجارية؟ *
< لاحظت أن هناك تراكما كبيرا في الإصدارات أولا، وأنشطة كثيفة في الندوات وحفلات التوقيع ثانيا، وهيمنة فن الزجل على سائر الفنون، وربما تكون ظاهرة عابرة، سرعان ما ستتراجع، لأنها لم تجد ذوقا قويا مستساغا لها. كما أن الأدباء والنشطاء في الحقل الثقافي، أخذوا زمام المبادرات، فاعتمدوا على جهودهم الشخصية، وأنشأوا مجموعات في كل من طنجة والدار البيضاء وسلا، كان لها أبلغ الأثر في تأثيث المشهد الثقافي المغربي. وهنا، لا نغض الطرف عن دور وزارة الثقافة في هذا المشهد، إذ رأينا دعمها القوي، وعلى مراحل، لعملية الطبع التي هَمّت الناشرين، فبرزت أعمال لكتاب جدد، ما كانت لتظهر إلى حيز الوجود لولا دعمها، وما كان لهم أن يبرزوا بلا خطة وزارة الثقافة الناجحة، وإن كانت ميزانيتها أقل بكثير من طموحاتها، وطموحات الساحة الثقافية المغربية.
> ما هو أبرز حدث ثقافي؟ *
< بالنسبة إلي، هو أن الكتاب المغربي، ومن خلاله الثقافة المغربية، فرض نفسه في الساحة الوطنية، عبر المعرض الدولي والمعارض الجهوية. ثم عبر اجتياز الحدود إلى الدول العربية والأوروبية. ولا تسألني كم كانت فرحتي قوية، وأنا ألاحظ القراء يتهافتون على الكتاب المغربي في بعض المعارض التي حضرتها، كمعرض تونس مثلا. وهذا ما يُحْسب لوزارة الثقافة في عهدها الحالي، إذ دعّمت وشجعت دور النشر على المشاركة في تلك المعارض. وراهنا، أي في هذه الفترة من 20 إلى 28 غشت، شاركت دور النشر المغربية في معرض الصين، وهو خاص ببيع حقوق المؤلفين لمدة محددة، قصد ترجمة أعمالهم إلى لغات العالم، وعرضها في المواقع الرقمية. وهذا العمل هام جدا، لأنه سينقل الثقافة المغربية من المحلية إلى العالمية، لتكتسح كل الدول. ولا تقتصر المؤلفات على البحوث والأعمال الفكرية والنقدية، إنما تتجاوزها إلى الأدبية، كالقصة والرواية والشعر والمذكرات والرحلات…أي كل ما يساهم في إثراء مخيلة المتلقي. ولعل هذه الخطوة، التي لم يلتفت إليها إلا القليل، هي أبرز حدث خلال هذه السنة في نظري، لما لها من أبعاد ثقافية وفكرية وأدبية في خلق أجواء التواصل والتفاعل والتعايش بين الشعوب.
> ما تقييمك للأنشطة التي تقوم بها الجمعيات الثقافية اتحاد كتاب المغرب، بيت الشعر بالمغرب..؟
< هناك أنشطة محدودة، لم يكن لها ذلك الإشعاع الكبير الذي يمكن أن يعم كل أرجاء الوطن، رغم أن اتحاد كتاب المغرب، مثلا، أبرم عدة اتفاقيات مع اتحادات وروابط الدول المغاربية والعربية والأسيوية، إلا أن كل ذلك لم يظهر على أرض الواقع، كأنشطة فاعلة. وحتى المجلة التي كان يصدرها لم يظهر منها إلا عدد واحد فقط. وهذا يثير أسئلة، حول أسباب هذا الفتور: هل يعود إلى الدعم الضعيف لأنشطته؟ أم لعدم التعاون والانسجام بين أعضاء المكتب؟ أم لاستحواذ الثقافة الرقمية على الورقية؟ أم لهيمنة ثقافة الاستهلاك على كل التطلعات الثقافية الأخرى، وربما هذا أحد الأسباب، لأن انحسار المد الثقافي، ظهر جليا حتى في الدول المتقدمة. أما بيت الشعر، فلم نعد نسمع عنه أي حس أو خبر.
> ما قيمة القضايا التي يناقشها المغاربة راهنا وما مستوى هذا النقاش؟
< يبدو لي أن سوق الكلام ازدهرت كثيرا مع اقتراب إجراء الانتخابات، وهي من جهة، دليل على حيوية هذا الشعب، ورغبته في الحياة الكريمة، وقدرته على الانخراط في الجدل السياسي والاجتماعي، وإن كان البعض من القضايا المطروحة مجرد تلهية فقط، لا يسمن ولا يغني من جوع. لكن، من الضروري أن نمر من هذه المرحلة، ليتم في الأخير تصفية الأجواء، والنظر إلى ما هو أهم وأفيد. فلا ينبغي أن ننظر إلى هذا اللغط السائد على أنه تزجية للوقت، ولا جدوى منه، فهو وإن كان كذلك، يعد تمهيدا لخلق أجواء سياسية واجتماعية واقتصادية سليمة في المستقبل.
> غابت العديد من الأسماء الأدبية والفكرية عن ساحة النشر، ما تفسيرك لذلك؟
< أجل، كانت هناك أسماء لامعة، صالت وجالت، ثم خفّ بريقها، مع ظهور جيل جديد بنفَس جديد، لم تستطع تلك الأسماء مواكبته. وهناك أسباب: من بينها أن الثقافة، بالمفهوم العام، أخذت اتجاها آخر، لا علاقة له بالماضي، سواء على مستوى التفكير أو الأداء. وثانيا، لم تعمل الأسماء السابقة على مد الجسور بينها وبين الأجيال الراهنة، إذ تنكّرت لها وترفّعت عنها، وحاولت أن تقصيها، فأحدثت معها قطيعة. وثالثا، فإن بعض الأسماء الأدبية التي كانت تشتغل في الجامعة، كوّنت، بحكم مكانتها الأستاذية، جيلا من الأدباء مُحابيا لها، وبمجرد ما اتخذ هذا الجيل مكانه، أدار الظهر لها، لأنه اكتشف اللعبة، وهي استغلال صفة الأستاذية. والخلاصة، أن هناك مفهوما جديدا للكتابة، لا يمت بصلة إلى المفهوم الأول، مما أوجد جيلا ينظر إليها نظرة مغايرة. وهذا أيضا، ساهم في إخماد أصوات التأسيس.
> ما موقفك من المحاكمة القضائية للإنتاج الأدبي والفكري؟
< المبدأ الأساس، هو أننا مع حرية الكتابة والتفكير والتعبير والإبداع، وندين أي يد تمتد إلى الإنتاج الأدبي بحجج واهية. لأن ذلك السلوك غير الحضاري سيُضر كثيرا بالعملية الإنتاجية والإبداعية في كل المناحي، حتى الفنية، كالغناء والرسم والتمثيل…لكن، على العمل الأدبي أن يظل أدبيا محضا، فلا يتحول إلى مقال صحافي، يشهر بأسماء وبجهات، لأنه في هذه الحالة، يتحول إلى مقال عادي، كسائر المقالات والاستطلاعات.
> يتم الاستعداد حاليا للاحتفال بالدخول الثقافي، ما هو تصورك الخاص لهذا النوع من الاحتفال؟
< أولا، ضرورة إشراك كافة الفعاليات الثقافية في إعداد برنامج هذا الاحتفال، دون إقصاء. وثانيا، تقييم المرحلة السابقة، كي نحافظ على الإيجابيات، ونتجاوز السلبيات. وثالثا، لا ينبغي التركيز على مجالين أو ثلاثة، لندّعي أننا ننشط العمل الثقافي، فليست الثقافة منحصرة في الغناء والتراث الشعبي والسينما، بل هناك فنون وثقافات وآداب أخرى. وإن كانت وزارة الثقافة تولي اهتماما للكتاب والتكوين المسرحي، وتدعم المشتغلين في هذين القطاعين. فالملاحظ هو أن الإعلام المغربي، والجمعيات الجهوية، تركز دائما على الغناء وعلى الفروسية، وتحاول أن توهم الجماهير بأن الثقافة تنحصر في هذين الفنين. كما لا ننسى أن الثقافة، لا ينبغي أن تظل رهينة المدن الكبرى، ولا حتى المراكز الثقافية أن تشيد في المناطق الوسطى، بل يجب أن تمتد إلى كل المدن والقرى، أي التوزيع العادل للثقافة، وألا تبقى حكرا على جهة دون أخرى.
فمن حق خنيفرة وبني ملال وأفورار وأزيلال ودمنات أن تحصل على حصتها من الثقافة.
إعداد: عبد العالي بركات