يفتح هذا الكتاب القيم عين القارئ على بعض من تاريخ الطب وعلم الأوبئة، وعلاقة الانتشار الوبائي بجشع الإمبريالية والحركة الاستعمارية. ويبين شلدون واتس مؤلف الكتاب، كيف استخدمت قوى الاستعمار مفهوم “مقاومة الأمراض الوبائية” ليسهل أمامها اختراق دول أفريقيا وآسيا والأميركيتين. ولم تكن نشأة المؤسسات الطبية الغربية خارجة عن هذا السياق العام الذي يحكمه منطق القوة وسيطرة القوى الاستعمارية على شعوب العالم. يجد قارئ بيان اليوم في هذا الكتاب تفاصيل مذهلة تؤكد في مجملها ارتباط مفهوم “مقاومة الأوبئة” بغايات استعمارية.
الأمراض المعدية نوعان وهما العدوى السريعة الحادة والعدوى البطيئة المزمنة
ترتبط الإجابة عن الأسئلة السابقة بطبيعة العدوى في الأمراض المعدية، فهناك نوعان من العدوى يمكن ملاحظتهما وهما: العدوى السريعة الحادة والعدوى البطيئة المزمنة وفي النمط الأول من العدوى تحدث العدوى بطريقة سريعة وتظهر الأعراض خلال ساعات قليلة كما في حالة فيروس الإنفلونزا . هذه الفيروسات هي فيروسات سريعة لأنها هشة لا تستطيع العيش في أشعة الشمس أو تتحمل الجفاف أو المواد الكيماوية، لذلك فهي تبحث بسرعة عن عائل لتختبئ فيه وتتكاثر. فهي تنتقل بسرعة من عائل إلى أخر عن طريق الرذاذ والهواء. وفي حالة النمط الأخر من العدوى، تأخذ العدوى فترة طويلة من أجل ظهور الأعراض في العائل. فالسل إذا ترك بدون علاج يمكن أن يسبب الوفاة للعائل، لكنه يأخذ عدة سنوات ليفعل ذلك، فالأعراض تظهر ببطء والعدوى هنا مزمنة ومن ضمن هذا النمط من العدوى مرض Visna الذي يصيب الأغنام في أيسلندا، ففترة الحضانة، التي تمتد من وقت حدوث العدوى حتى ظهور الأعراض، تستغرق من 2 – 3 سنوات.
وتؤكد استمرارية العدوى نفسها عن طريق اختيار الشكل المقاوم، فميكروب الأنثراكس الذي يسبب الحمى الفحمية في الإنسان والحيوان، وهو مرض شديد الخطورة، يؤدي إلى نزيف حاد والموت المؤكد، عندما يتعرض للهواء عند خروجه مع نزيف الدم يأخذ الشكل الجرثوميspore ، الذي يستطيع مقاومة الحرارة وأشعة الشمس لعدة سنوات. وبذلك فهذا الميكروب يعاود ظهوره مرة ثانية عندما تتهيأ له الظروف لعدوى الإنسان أو الحيوان.
الطريقة الثالثة الاستمرارية العدوى تتم عن طريق الانتقال والتكاثر داخل عائل أخر غير العائل الأساسي. فهذه الميكروبات تعيش وتتكاثر وتنتقل بين عدة عوائل. ففي حالة ميكروب الطاعون، الذي تحدث أعراضه المميتة بصفة أساسية في الإنسان، يمكن أن يتكاثر ويعيش داخل الفئران، كما يمكن أن يتكاثر داخل البراغيث التي تعيش على الفئران وتهاجم الإنسان، وفي هذه الحالة تعد البراغيث كمخزن لتكاثر العدوى ونشرها. وهنا ينتقل العامل المسبب للمرض بين ثلاثة عوائل وهي: الإنسان والفئران والبراغيث. وتنتقل الملاريا بين عائلين أحدهما هو الإنسان والآخر هو البعوض.
وبجانب قدرة الميكروب على مقاومة الظروف غير الملائمة عندما يأخذ الشكل الجرثومی، هناك بعض مسببات الأمراض مثل الأميبيا التي تسبب الدوسنتاريا الأميبية، يمكنها مقاومة الظروف غير الملائمة بتحولها إلى الطور المتحوصل encysted form لفترة طويلة من الزمن، ومن ثم يمكنها عدوى عائل أخر من أجل التكاثر واستكمال دورة حياتها. وهناك طريقة خامسة يمكن من خلالها استمرار الطفيل في نقل العدوى وإحداث الأعراض وذلك من طريق الاختباء داخل الأحشاء، مثل : الكبد والطحال والكلى والرئة والقلب، بعد علاج الأعراض. وتبقى هذه الكائنات داخل هذه الأحشاء فترة طويلة من الزمن تعاود بعدها الظهور لإحداث الأعراض في العائل إذا تعرض لضغوط بيئية أو صحية وذلك كما في حالة الملاريا. وهناك بعض الأوليات التي تسبب مرض البابيزيا Babesiaفي الحيوانات، التي تبقى أعداد قليلة جدا منها في مجرى الدم بعد الشفاء من الأعراض، هذه الأعداد القليلة لا يمكنها إحداث المرض مرة أخرى ولكن يمكن انتقالها عن طريق العوائل الناقلة مثل القراد من حيوان إلى حيوان آخر بعد عدة سنين. فالطفيل المسبب للمرض هنا استخدم جسم العائل كملاذ آمن لوجوده لفترة من الزمن حتى تتهيأ له الظروف لعدوى عائل أخر. بعض المتغيرات التي تتعلق بنمط العدوی ما دامت الأوبئة تتعلق أساسا بالمجموعات الكبيرة من السكان، فإن سلوك هذه المجموعات وتركيبها يجعلها معرضة لأنماط معينة من الأمراض المعدية والوبائية، هذه المجموعات تشمل: المجموعات العمرية، المجموعات الإثنية، الجنس، الحالة الزواجية، التركيب العائلی، الحالة الاجتماعية والاقتصادية، المكان، الوقت، ثم أخيرا حركة هذه المجموعات وقدرتها على التنقل.
يتبع
> إعداد: سعيد ايت اومزيد