بقي الإنفاق العام في المنطقة العربية، مقاسا كحصة من الناتج المحلي الإجمالي، على حاله تقريبا خلال العقد الماضي بنسبة 34%، أقل بنقطة مئوية فقط عن المتوسط العالمي. ومع تفشي جائحة كوفيد-19 في عام 2020، ارتفع المتوسط العالمي ليصل إلى نسبة 40%، في حين لم يرتفع المتوسط الإقليمي إلا بنقطتين، مسجلاً قرابة 36%، بسبب ما تواجهه اقتصادات المنطقة من ضيق الحيز المالي والانكماش في المداخيل، وفقا لتقرير جديد أصدرته اليوم كل من اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظّمة الأمم المتّحدة للطفولة (اليونيسف).
التقرير الصادر بعنوان “مرصد الإنفاق الاجتماعي للدول العربيّة: نحو جعل الميزانيات أكثر إنصافا وكفاءة وفعالية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة”، يستند إلى أداة طورتها الإسكوا لدعم صانعي القرار في تعزيز كفاءة الإنفاق الاجتماعي في الدول العربية وتوجيهه بشكل مجدي و”أكثر ذكاء” لدعم الأولويات الوطنية للتنمية.
وشددت الأمينة التنفيذية للإسكوا رولا دشتي على أن الإنفاق العام في المجالات الاجتماعية في الدول العربية ليس فقط منخفضا بالنسبة للمتوسط العالمي من حيث الحجم وغير كاف نسبة للاحتياجات، بل هو أيضا دون المتوسط العالمي من حيث الكفاءة. وأوضحت أن رفع كفاءة الإنفاق العام إلى المتوسط العالمي للكفاءة من الممكن أن يوفر ما يساوي في قيمته 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة أي ما قد يصل إلى 100 مليار دولار سنويا.
ويقدم التقرير تقييما شاملا للإنفاق على السياسات الاجتماعية في دول المنطقة، مع تحليل مفصل للاتجاهات والتحديات، فضلا عن توصيات بشأن سبل إعادة ترتيب الأولويات وتوجيه المخصصات الاجتماعية إلى المجالات الهامة ذات الآثار الإيجابية الطويلة الأجل على الرأس المال الاجتماعي والاقتصاد، وتحسين رصد الإنفاق وتقييم كفاءته. فبحسب التقرير، إن الإنفاق الاجتماعي هو ركيزة لرفاه الفرد والمجتمع، ومحرّك للتقدم في مجالات التعليم والصحة، وسبيل لحماية الفئات المعرضة للمخاطر.
وأشارت مديرة المكتب الإقليمي للدول العربية ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، خالدة بوزار إلى أن الفجوات التمويلية الكبيرة التي تواجهها عدة حكومات في المنطقة العربية في سعيها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، إنما تؤكد أهمية توصية التقرير بضرورة إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام وتحسين مواءمة الميزانيات العامة والسياسات المالية للمنطقة مع أهداف التنمية بما يدعم جهود الحد من الفقر وأوجه عدم المساواة وخلق فرص العمل للجميع، كأساس لبناء اقتصادات مستدامة وقادرة على مواجهة الأزمات.
ويظهر التقرير أن الدول العربية تخصص مبالغ ضخمة للدعم، ما يمثل نمطا مزمنا للإنفاق غير العادل وغير المتجه نحو تكوين رأس المال البشري. أما التوجه الآخر المثير للقلق فهو أن نحو 80% من الإنفاق الاجتماعي في المنطقة يذهب إلى النفقات الجارية على الأجور والمرتبات والتحويلات العامة، في حين أن النسبة المخصصة للصحة والتعليم والحماية الاجتماعية لا تتعدى 8%. وعلى الرغم من التقدم المحرز في البلدان العربية في توسيع نطاق الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، إلا أن هذه الجهود لم تترجم إلى نواتج أفضل في هذه المجالات.
من جهتها، قالت المديرة الإقليمية لليونيسف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أديل خضر، أنه في الوقت الذي تشتد فيه الحاجة إلى الإنفاق الاجتماعي، لا سيما التركيز على الشرائح السكانية الأشد فقرا وهشاشة، يتعرض التمويل العام لضغوط أكبر من أي وقت مضى في المنطقة. يهدف إطلاق هذا التقرير المشترك إلى توفير قاعدة أدلة قوية لإثبات أهمية إعطاء الأولوية للقطاع الاجتماعي في مخصصات الميزانية، مع ضمان استخدام هذا التمويل بأكثر الطرق كفاءة وإنصافا لتحقيق نتائج أفضل، خاصةً بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة.
وفي ظل تزايد أعباء الديون على الدول العربية، يوصي التقرير بتحسين الإيرادات الضريبية المحلية من خلال زيادة القدرة على تحصيل الضرائب، وتعزيز الإنصاف الضريبي والطابع التصاعدي للضرائب، فضلا عن مراقبة التدفقات المالية غير المشروعة، على أن ترتبط هذه الجهود بزيادة الاستثمار في الخدمات العامة التى تعزز الثقة لدى دافعي الضرائب. كما يوصي التقرير أيضا بتفعيل أدوات مبتكرة لتخفيف أعباء الديون، مثل مقايضة الديون بتمويل العمل المناخي ومشاريع تسرّع تحقيق أهداف التنمية المستدامة.