صدر حديثا ضمن مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، كتاب “الإسلام في العصر القديم المتأخر”، الذي يتضمن أعمال الندوة الدولية التي نظمتها أكاديمية المملكة قبل عام بالرباط، حول موضوع “الإسلام في أواخر العصور القديمة” وشارك فيها عدد من الباحثين الكبار في هذه الفترة التأسيسية من التاريخ الإسلامي.
ويتضمن هذا الكتاب، الذي يقع في 198 صفحة من الحجم المتوسط والمهدى إلى روح عضو الأكاديمية الراحل، أحمد الأخضر غزال (1917-2008)، نصوص الأوراق البحثية التي قدمها باحثون ومتخصصون وأساتذة جامعيون من المغرب ومن بلدان عربية أجنبية، وباللغات العربية والفرنسية والانجليزية، في إطار هذا الملتقى العلمي الذي سعى إلى معالجة إشكاليات تخص إطارا زمنيا ومجاليا توافق الباحثون على نعته باسم “العصر الكلاسيكي/القديم المتأخر”، باعتباره منعطفا تاريخيا وعقائديا واسع الدلالات والمعاني لفهم عقيدة التوحيد التي جاء بها الإسلام، وتحليل التفاعلات الاجتماعية والثقافية والسياسية والدينية التي عرفها العرب آنذاك داخل الجزيرة العربية وخارجها.
وتوزعت هذه الأوراق البحثية على مواضيع تهم على الخصوص “إسلام الأوائل في التاريخ” للأستاذ بجامعة أوروبا الوسطى بفيينا والنمسا وبودابيست والمجر، عزيز العظمة، و”بلقيس: سفر بين الشفافيات” للكاتب والفنان التشكيلي الفلسطيني الراحل، كمال بلاطه، و”البارثيون، بريكليس والملك سليمان”، لمديرة البحوث بجامعة كامبردج بالمملكة المتحدة، إليزابيث كي فودن. كما همت هذه المداخلات مواضيع “قراءة القرآن من وجهة نظر تاريخية” للأستاذة الفخرية بجامعة باريس 8 بفرنسا،جاكلين شابي، و”الروايات التاريخية الأولى للعرب في الإمبراطوريتين الآشورية والبابلية” للأستاذ بجامعة أودين بإيطاليا، فريديريك ماريو فالس، و”الجزيرة العربية: علم الآثار والتاريخ عشية الإسلام” لمدير الأبحاث بالمركز الوطني للبحث العلمي بباريس، كريستيان جوليان روبن.
وشملت المداخلات كذلك “شعب الفيل، محاولة لوضع في السياق التاريخي والزمني” للأستاذ الباحث بجامعة بول سباتيه-تولوز 3، الراحل فوزي الأخضر غزال، و”موانئ المنطقة المغاربية والملاحة في المتوسط: منذ العصر القديم المتأخر إلى القرون الأولى من الإسلام”، للأستاذ بجامعة باريس 1- بانتيون سوربون، دومينيك فاليريان.
وأكد أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، عبد الجليل لحجمري، في توطئة الكتاب أن “الدراسات التاريخية الخاصة ببدايات ظهور الإسلام، ظلت، إلى سبعينات القرن الماضي، وعلى الخصوص منها الدراسات الاستشراقية، منصبة بشكل خاص على عصر النبوة وصدر الإسلام”، مبرزا أنها “شهدت في العقود الأخيرة طفرة علمية نوعية، خصوصا في مراكز ومعاهد الدراسات المتخصصة في بعض الدول الغربية، وذلك بفضل الكشف عن مصادر ووثائق ونقوش ومكتشفات أثرية مغمورة واستثمارها في مقاربات معرفية ومنهجيات أنثروبولوجية وأركيولوجية وسوسيولسنية جديدة”.
وأضاف لحجمري أن هذا الأمر “شكل منعطفا كبيرا ساهم في تجاوز الرؤى الإثنوغرافية أو ذات المنزع الإيديولوجي على نحو أتاح إنتاج قراءات نقدية لتلك المرحلة من خارج الإسلام”، مسجلا أن “هذا لا يعني، بأي حال من الأحوال، أننا نترك جانبا مصادر التاريخ الإسلامي الكلاسيكية التي تعبر عما ينعته البعض بالمخيال الإسلامي اللاتاريخي، بقدر ما نروم إدراج هذا التاريخ ضمن نسيج التاريخ العالمي الذي ما فتئ يتسع وتتطور مقارباته وتتعمق البحوث فيه”.
وأشار أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة إلى أن الدراسات التي يضمها الكتاب “تعكس لا محالة الاختلاف الفكري الذي يميز موضوعاتها،” مضيفا أنها تتناول قضايا متباعدة تنطلق من عرض ملاحظات عامة مؤطرة بمفهوم “إسلام الأوائل”، قبل أن تنتقل إلى رصد أحوال العرب في علاقتهم بشعوب بلاد ما بين النهرين الأشوريين والبابليين، وما كشفته الحفريات الأثرية والنقوش من جوانب تتعلق بحياتهم السياسية وانتشار الديانتين اليهودية والنصرانية في الجزيرة العربية قبيل ظهور الإسلام”.
وخلص لحجمري إلى أن “العروض تضمنت قراءة لبعض المفاهيم والأحداث الرمزية الواردة في النص القرآني، في حين ركزت أخرى على إبراز السمات الجمالية للفن الإسلامي من خلال تفاعلاته بفنون الحضارات المتوسطية الإغريقية والبيزنطية القديمة حينذاك”.
الإسلام في العصر القديم المتأخر
الوسوم