أتاحت لنا حملة الاستفتاء هذه الأيام فرصة مشاهدة عدد من الوجوه السياسية على شاشات قنواتنا الوطنية، وخصوصا من الذين ينادون بالمقاطعة، ونجح إعلامنا السمعي البصري، إلى حد كبير، في امتحان ضمان تعددية التعبير عن تيارات الفكر والرأي، بما يؤمن للمواطنات والمواطنين حقهم في الاطلاع على مختلف المواقف، ويساعدهم على تكوين رأيهم بكل حرية بغرض ممارسة حقهم في التصويت يوم الاستفتاء.
وبغض النظر عن بعض تجليات القصور في الأداء، وأيضا في حرفية ونجاعة الأداء التواصلي لبعض سياسيينا، فإن التقييم يبقى إيجابيا على الأقل من حيث تأمين التعبير التعددي عن الرأي، والذي يخضع، بشكل طبيعي، وكما في كل العالم، إلى تنظيم ومعايير و»باريم».
إن الحملة الاستفتائية والمتابعة الإعلامية لمحطاتها، يجب أن تشكل مناسبة للقائمين على شأننا التلفزيوني والإذاعي لتفعيل خطط واستراتيجيات تروم تطوير العرض المرتبط بالمادة السياسية في النشرات وفي البرامج الحوارية وفي التغطيات وفي تعزيز التعددية والدمقرطة والمهنية، وذلك على امتداد العام، وليس بشكل مناسباتي.
إن المرحلة التاريخية التي يؤسس لها المغرب اليوم، تقتضي امتلاك إعلام وطني (خصوصا التلفزيون) يكون بإمكانه الدفع بالبناء الديمقراطي والتغيير السياسي وتحديث عمل الأحزاب والمؤسسات إلى الأمام، وليس نشر الإحباط والعدمية وتعميم التكلس.
الإعلام بالضرورة يجب أن يكون حليفا رئيسيا للمدافعين عن الديمقراطية والحداثة والتقدم، وأن يصنع صورة المغرب الجديد.
واعتبارا لذلك، فإن نخبنا السياسية والنقابية والجمعوية والأكاديمية مدعوة هي الأخرى لعصرنة سلوكها التواصلي، وتقوية التكوين السياسي للعديد من وجوهها حتى يمكن للإعلام (وخصوصا التلفزيون) أن ينجح في رسالته، وفي نفس الآن يصنع منتوجا مهنيا جاذبا للاهتمام وللمتابعة.
لقد تابعنا خلال الأيام الأخيرة بعض فعاليات اليسار، وآخرين، وكان الأداء متفاوت الجودة إقناعا ومضمونا وتواصلا، وحيث أن استحقاقات سياسية وانتخابية أخرى في الأفق، فإن مسؤولية الجميع ستكون هي تطوير المواكبة الإعلامية لديناميتنا السياسية.
وإذا استحضرنا أن مشروع الدستور الجديد نص على حرية الصحافة وعلى الحق في الحصول على المعلومات، بالإضافة إلى التنصيص الدستوري على حرية التعبير وحرية الفكر والرأي، وحث السلطات العمومية على تفعيل التنظيم الذاتي للمهنة بكيفية مستقلة وعلى أسس ديمقراطية، فإن كل هذا يضع منظومتنا الإعلامية الوطنية عند باب مرحلة جديدة، لابد من الإسراع في بلورة هيكليتها ومرتكزاتها ومسارات تطورها، فضلا على أنه يحمل القائمين على إعلامنا السمعي البصري أساسا مسؤولية الاستعداد لتمثل القواعد المهنية المتعارف عليها كونيا في مجال الإعلام وحقوق الإنسان.
إن كسب رهان الإعلام مهمة جوهرية في مسلسل التغيير السياسي والديمقراطي في المغرب.