أمس الجمعة ترأس جلالة الملك افتتاح دورة أكتوبر البرلمانية، تطبيقا لأحكام الدستور، وحضر كل البرلمانيين من الغرفتين، واستمعوا إلى الخطاب الملكي التوجيهي، وتابع المغاربة المشهد ودلالة الصورة. وكما يتكرر عقب الإعلان عن رفع جلسة افتتاح كل دورة أكتوبر، ردد المتابعون للشأن البرلماني أن جلسة الافتتاح هي في الواقع، آخر جلسة يحضرها أغلب برلمانيينا، وبعدها يهجم الفراغ على الكراسي، وعلى المكان.
ونتذكر عددا من النصوص الهامة، وحتى مشروع الميزانية للسنة الماضية، وكم كان عدد الأعضاء الذين صوتوا عليها، ونتذكر عدد المرات التي تم فيها الإعلان عن حالات الاستنفار في جنبات المؤسسة التشريعية، واستعملت الهواتف لكي يتم «إنقاذ» مشروع قانون، أو لكي يتاح عقد جلسة حتى.
إن الغياب، يمثل أكبر تجليات العبث في سلوكات عدد من أعضاء برلماننا، وأن استمرار هذه الظاهرة لن يزيد ممارستنا التشريعية إلا تخلفا، ولن يساعد البلاد لا على إصلاح مؤسساتها، ولا على تحديث فضائها السياسي والانتخابي، ولا على إغراء المغاربة ودفعهم للاهتمام بالشأن السياسي لبلادهم.
في السياق نفسه، فإن «الترحال السياسي» الذي بات لعبة اعتيادية مع كل دخول برلماني، ويبعث على الاشمئزاز، يعتبر هو الآخر دليلا على تخلف المنظومة القانونية والمرجعية الأخلاقية لحياتنا البرلمانية والانتخابية، وباستمرار هذا المرض لا يمكن أن ننتظر من الفرق أن تنكب على تقوية إنتاجيتها التشريعية والرقابية، لأنها تقضي سنتها كاملة في تدبير سبل تأمين تركيبتها العددية.
الأمر الثالث، الذي يتطلب اليوم مواجهة مستعجلة، يهم المستوى العام لأغلب أعضاء البرلمان بغرفتيه، وهذا الواقع يقود للسؤال عن سبل تحسين ولوجية الكفاءات السياسية والاقتصادية الوطنية للمؤسسة البرلمانية، وأشكال فك اللغز المتجسد في كون عدد من الشخصيات السياسية والحزبية الوطنية توجد خارج دائرة صنع القرار البرلماني، مقابل كون هذه الفضاءات أصبحت مفتوحة لكل من يملك الأموال، والارتباطات القبلية المحلية.
الموقف هنا لا يحمل أي تشنيع أو انتقاص من فئة اجتماعية لفائدة أخرى، إنما الأمر إثارة لمعطى سياسي يرتبط بمستوى مؤسساتنا، وبمستقبل بلادنا وبعلاقة نخبها بتطلعات المجتمع.
إن استمرار الاختلالات الجوهرية الثلاثة المذكورة طيلة سنوات، يجعل من الضروري ربط معالجتها اليوم بالسياق العام، أي بضرورة تفعيل إصلاحات قانونية وسياسية ومؤسساتية في البلاد، أي بجيل جديد من الإصلاحات، يشمل البرلمان والانتخابات والأحزاب وعمل المؤسسات، وهذا هو العنوان الكبير الذي يجب أن يشغل بال طبقتنا السياسية اليوم.