عاد البطل الأولمبي سفيان البقالي، ليعانق الذهب، والموعد هذه المرة كان ببطولة العالم لألعاب القوى التي تجرى منافسات نسختها الـ18 بمدينة يوجين الواقعة بولاية أوريغون الأمريكية.
ففي سن 26 سنة، يقدم البقالي نفسه كواحد من النجوم الحاليين لألعاب القوى العالمية، سلسلة من التتويجات في واحدة من أصعب المسابقات التي يصفها المختصون بالتقنية المعقدة، والتي تتطلب مهارات خاصة، بجمعها ثلاث تخصصات، من الصعب أن تجدها في عداء واحد، ألا وهي القوة والسرعة والتقنيات…
هذه المسابقة التي كانت على امتداد التاريخ، حكرا على كوكبة عدائي كينيا (13 لقبا من أصل 18)، وبالرغم من المنافسة التي سبق أن شكلها في وقت سابق إبراهيم بولامي، وبعده علي الزين الذي قاتل بقوة، وتمكن من انتزاع ميداليتين، واحدة رونزية بدورة سيدني 2000 الأولمبية، وأخرى فضية ببطولة العالم 2005 بهلسنكي.
بعد ذلك استمر عداؤو كينيا في فرض سيطرة مطلقة على المسابقة، إلى أن ظهر عداء قادم من ضواحي فاس المعطاءة، مؤكدا للعالم أن عهد الاحتكار قد انتهى، ولم يعد من المسموح القبول بغير الرتبة الأولى، في السباقات التي يشارك فيها البطل المغربي سفيان البقالي.
مسار البقالي يعكس بحق قيمة التدرج، والأخذ بعين الاعتبار أهمية عدم حرق المراحل، واستنزاف القدرات، في تشابه تام مع مسار البطل هشام الكروج الذي يعد من العدائين القلائل الذين عمروا طويلا بالمضمار، حوالي عشر سنوات حافظ خلالها على مكانة متقدمة في الترتيب العالمي، وهذه خاصية ليس من السهل الوصول إليها، خاصة بالنسبة للعدائين الأفارقة الذين يستنزفون قدراتهم طمعا في الحصول بسرعة على المال، بسبب استغلالهم الفادح من طرف بعض الوكلاء والمدربين.
سنة 2014 كانت بداية الحضور الدولي للبقالي، وبالضبط ببطولة العالم للناشئين بالولايات المتحدة الأمريكية، وللصدفة في يوجين تحديدا، وحقق المركز الرابع في سباق 3000م موانع، سنة بعد ذلك احتل المركز السابع ببطولة العالم للعدو الريفي فئة الناشئين.
دورة الألعاب الأولمبية 2016 في ريو دي جانيرو، احتل المركز الرابع، قبل أن يحقق المركز الأول في الدوري الماسي، والميدالية الفضية في بطولة العالم في لندن سنة 2017، وفي الدوحة 2019 حل ثالثا.
إلا أن الإبهار كان بدورة طوكيو الأولمبية المؤجلة من 2020 إلى 2021، ذهبية غالية قطعت الشك باليقين، وأكدت للعالم أن البطل المغربي، لن يقبل مستقبلا بغير المعدن النفيس، وفي يوجين جاء التأكيد وقطع الشك باليقين.
فرغم الهالة الإعلامية التي احاطت ببعض عدائي أثيوبيا وخاصة لاميتشا جيرما، إلا أن بطلنا الواثق من إمكانياته وقيمة إعداده المتكامل بدنيا وتقنيا وذهنيا، لم يكترث للأمر، ولم يخرج بأي رد، واصل المسار واثق الخطى يمشي ملكا، في تناغم وتفاهم كبيرين، تحت إشراف المدرب كريم التلمساني.
وما يؤكد على المعدن الأصيل لسفيان، أنه لم يسارع تحت تأثير الكثير من الإغراءات الى تغيير مدربه، واختيار أسماء تحت تأثير الفرقعات الإعلامية، بل واصلا معا، نفس المسار الذي انطلق من الفئات الصغرى، وصولا إلى القمة والتربع حاليا على عرش ألعاب القوى العالمية.
مسار البقالي مسار يدرس، حيث شكل إلى جانب المدرب التلمساني ثنائيا ناجحا، آمنا معا بإمكانياتهما، انطلقا من الصفر، إلى أن وصلا إلى القمة، ويأملان في الحفاظ على نفس التوهج، والتألق لأطول فترة ممكنة…
محمد الروحلي