حينما تضرب العواصف الرملية والترابية مدينة كبرى مثل القاهرة أو مراكش أو الرياض، تخيم سحابة برتقالية هائلة على الشوارع وأي شخص عالق في الخارج. إذ تفكك الرياح العاتية التربة وتخلق جدارا من الرمال والغبار والحطام. تقع هذه الأحداث المتطرفة في دقائق وتأخذ الناس على حين غرة، فتفر العائلات والأطفال بحثا عن مأوى بينما تغلق الموانئ والمدارس والشركات والمطارات.
تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأكثر غبارا في العالم، وازداد تواتر وشدة كل من العواصف الرملية والترابية على مدار القرن الماضي. وتظهر الأبحاث الميدانية وصور الأقمار الصناعية أن الصحراء الكبرى هي أكبر مصدر للغبار والرمال في العالم. يقدم تقريرنا المنشور للتو، العواصف الرملية والترابية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – المصادر والتكاليف والحلول، استعراضا مفصلا لهذه البيانات وعدة مسارات نحو تحسين أنظمة التحذير والنتائج الصحية، وخفض التكلفة الاقتصادية.
وقمنا أيضا في تقريرنا بدراسة التكلفة الاقتصادية للعواصف الترابية والرملية ووجدنا أن هذه الأحداث المتطرفة تكلف المنطقة أكثر من 150 مليار دولار سنويا، وهو ما يعادل أكثر من 2.5٪ من إجمالي الناتج المحلي لمعظم بلدان المنطقة.
عندما انضممت إلى فريق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي، كان من الواضح أن العواصف الرملية والترابية وتأثيراتها البيئية والصحية لم تحظ بقدر كاف من الدراسة. وفي الآونة الأخيرة، حظي الموضوع باهتمام دولي من وكالات الأمم المتحدة وشركائها، بما في ذلك فريق البنك الدولي المعني بالبيئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بينما ندرس الموضوع بعمق أكبر. إننا ندرك جيدا أن سوء إدارة الأراضي يؤدي إلى تدهورها، وقد يؤدي ذلك إلى هبوب عواصف ترابية. ويمكن أن ينشأ عن الغبار والرمال تأثيرات كبيرة على الصحة وسبل العيش والمجتمعات المحلية.
تسبب العواصف الترابية والرملية مشاكل
صحية وأمراض خطيرة
قمنا بمقارنة جودة الهواء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمناطق الأخرى. ووجدنا أن المنطقة تشهد واحدا من أعلى معدلات تركيز الجسيمات في العالم، والتي تقاس بمستويات PM2.5 وPM10 ويعاني السكان في العراق ومصر وباكستان أكثر من غيرهم من ارتفاع معدل الوفيات المبكرة – يمكن أن يعزى ما يصل إلى 30 ألف وفاة في المنطقة إلى سوء نوعية الهواء. وتربط الدراسات الصحية التي فحصها تقريرنا بين مرض الانسداد الرئوي المزمن وارتفاع تركيزات الغبار في الهواء. وتقدم الدراسات الصحية، التي تشمل زيارات لغرف الطوارئ، أدلة قوية على أن الغبار يسبب حالات الربو ويزيدها سوءا. في الكويت على سبيل المثال، أدت العواصف الترابية إلى زيادة بنسبة 8% في دخول المصابين بنوبات الربو لغرف الطوارئ يوميا خلال فترة خمس سنوات. وفي قطر، وجدت دراسة أخرى نوقشت في تقريرنا زيادة بنسبة 30% في الإبلاغ عن نوبات الربو بعد هبوب الرياح.
وتؤثر العواصف الترابية تأثيرا سلبيا على صحة الإنسان وحياته، في كل من المناطق الجافة وفي المناطق التي تقع في اتجاه هبوب الريح. تُظهر الدراسات أن الغبار الأفريقي يمكن أن ينتقل حتى منطقة البحر الكاريبي وفلوريدا، مما يؤثر سلبا على جودة الهواء في حوض الكاريبي.
ومع ذلك، فقد قامت دراسات قليلة جدا بتقييم التكلفة المرتبطة بالعواصف الترابية والرملية في بلدان بعينها. فمجرد محاولة تحديد بعض التكلفة الهائلة يوفر صورة كئيبة ومزعجة لمدى ضخامة مشكلة الغبار.
وبالطبع أردنا أن نعرف ما الذي يحرك العواصف الترابية والرملية وكيف يمكننا التصدي لها.
ويعد تدهور الأراضي أحد الأسباب الرئيسية وراء الكثير من العواصف الرملية والترابية، وتعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تزايد تدهور الأراضي ونتيجة لذلك تبلغ خسائر خدمات النظام الإيكولوجي في المنطقة حوالي أربعة أضعاف المتوسط العالمي . وتغطي الأراضي الرعوية في الأردن، على سبيل المثال، أكثر من 80% من مساحة البلاد ، ومع ذلك تدهورت الأراضي لدرجة أن الماشية لم تعد قادرة على أن تجد ما تأكله في المناطق الرعوية. كما يزداد تآكل التربة وهبوب العواصف الترابية أثناء فترات الجفاف. كما شهدت منطقة المغرب العربي التي تغطي شمال غرب أفريقيا وتمتد إلى الصحراء الكبرى تدهورا كبيرا بسبب مزيج فريد من التنمية المفرطة وتغير المناخ.
وأخيرا تحظى الخسائر الاقتصادية والاجتماعية والصحية المدمرة الناجمة عن العواصف الترابية باهتمام كبير. وتم إطلاق تحالف جديد للأمم المتحدة لمكافحة العواصف الرملية والترابية لزيادة الوعي وضخ الموارد في المنطقة. وهناك فرصة رائعة سانحة الآن لضخ استثمارات مبتكرة على نطاق واسع لمعالجة تدهور الأراضي في المنطقة، حيث تعتمد سبل المعيشة على إنتاجية التربة، والأكثر فقراً هم الأكثر عرضة للخطر. وتعد أنظمة الإنذار المحسّنة سواء الأرضية أو المعتمدة على الأقمار الصناعية، ضرورية لتحسين النتائج الصحية. وبلدان المنطقة في حاجة ماسة إلى المساندة لمنع التدهور المستمر في الأراضي وزيادة العواصف الترابية والرملية. ومهما كان الثمن، يجب أن نتجنب الوصول إلى المرحلة الحرجة هذه حينما تصبح الأرض عقيمة بدرجة لا تتوقف فيها عن إطلاق الرياح.
*خبير اقتصادي بيئي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
> بقلم كريج م. مايسنر *