التأهيل البرلماني

بعد أيام، سيفتتح البرلمان دورته الخريفية، وبقدر ما أن الأنظار يوم الافتتاح ستتوجه إلى خطاب جلالة الملك لمعرفة مضمونه وتوجيهاته التي ستؤطر أجندة الموسم الجديد، فإن المناقشات السياسية والإعلامية المواكبة ستعود من جديد للتركيز على ضرورة تأهيل ممارستنا البرلمانية بصفة عامة، وستعود مرة أخرى للواجهة مختلف الاختلالات والأعطاب التي تشكو منها مؤسستنا التشريعية. وبعيدا عن كل سجال عقيم، فإن مؤسستنا البرلمانية في حاجة اليوم إلى إصلاحات جذرية، بدء من تركيبتها وشروط عضويتها، حيث أن الكل يجمع اليوم أن غرفتي البرلمان لم تعودا تضمان سوى عدد قليل جدا من الشخصيات السياسية والكفاءات الوطنية، وبالتالي فإن العديد من تجليات الضعف التي تبرز في الجلستين الأسبوعيتين، مردها ضعف المستوى العام لعدد كبير من برلمانيينا.
إن الأمر يتطلب اليوم نقاشا حقيقيا وجديا، لجعل سلطة تشريع القوانين ومراقبة الحكومة (وأيضا إسقاطها)، تتكون من أعضاء يمتلكون المستوى الضروري من الخبرة ومن التكوين ومن الإدراك السياسي والقانوني، ومن دون شك سيحضر هذا الجانب ضمن  المناقشات المتوقعة بشأن الإصلاحات القانونية والسياسية.
الأمر الثاني  الموجب اليوم للاهتمام وللإصلاح، يتعلق بسبل القضاء على الترحال السياسي، وأيضا على تغيب البرلمانيين عن أعمال البرلمان، ثم المستوى الضعيف لجلسات الأسئلة الشفوية، فضلا عن ضعف الإنتاج التشريعي للبرلمان مقارنة مع العدد الذي تأتي به الحكومة كمشاريع قوانين، علاوة على ضعف استثمار آليات أخرى مثل: لجان التقصي والبحث، ثم التحايل المتكرر على  المادة المنظمة لـ(الإحاطة علما بقضية طارئة) في مجلس المستشارين، وكل هذه القضايا وغيرها باتت اليوم في حاجة إلى انكباب جدي لتجاوز كل اختلالاتها، وبالتالي مراجعة أنظمة الغرفتين، بما يساهم في عصرنة عمل البرلمان، وتعزيز المهنية في أدائه.
ويقودنا الحديث عن المهنية هنا مباشرة إلى البرلمانيين وإلى فرقهم، فبالإضافة إلى شروط الانتخاب والترشيح، كما أوردنا أعلاه، فإن الفرق البرلمانية في حاجة إلى إمكانات العمل، وإلى تعزيز أطقمها بمستشارين وخبراء، بالإضافة إلى ضرورة تطوير آليات العمل ومنظومة العلاقات داخل هياكل الغرفتين، وفيما بين مجلسي البرلمان.
إن البرلمان واجهة أساسية لإشاعة وتقوية النقاش السياسي في البلاد ووسط الجمهور، ومن ثم فإن إصلاح وتأهيل ممارستنا البرلمانية هو في العمق تأهيل لحقلنا السياسي والمؤسساتي، وتعزيز لتطلعنا الديمقراطي …

Top