– 3-
غير أن ” الصورة الصحيحة” للترجمة الأدبية عامة والشعرية خاصة، لا يمكن البتة أن تكون نسخة ممسوخة من الأصل النصي، كما في نقل عقود النكاح والطلاق وتعريب العلوم وترجمة غيرها من الوثائق والمستندات المشترط في صحتها بالضبط أن تكون مطابقة للمتن الأصلي دون أدنى تبديل ولا أي تعديل أو تأويل.
وإذا كانت ترجمة الشعر خيانة أمينة وأمانة خائنة، لابد أن تُفقدَ الشعرَ وزنَهُ وإيقاعَهُ والعديدَ من ألقِهِ، فإن تعريبه بميزان الذهب الخليلي والأخفشي، أي موزونا ومقفى ويدل على معنى، لابد أيضا أن يُفقدَ الذهبَ لونَهُ والعديدَ من رونقِهِ، لأن معدنَه الرغامُ كما يقول أبو الطيب المتنبي:
وما أنا منهمُ بالعيش فيهمْ
ولكنْ معدنُ الذهب الرغامُ
وبالتالي فإن ترجمة الشعر، الأسطوري، كملحمة جلجامش، على سبيل المثال ونقلَه وتعريبَه، موزونا ومقفى، لابد أن يُفقدَ ذهبَه بريقَه وجمالَه إذ ينفض عنه ترابَه، بينما قد تكشف الترجمة النثرية والحرفية بالذات عن معدنه الأصيل ولونه الجميل، وكلما كانت الترجمة حرفية النقل كانت أقرب إلى الأصل النصي، الأسطوري، وعلى العكس من ذلك لابد أن يُفسدَ الكلامُ الموزون المقفى معنى ومبنى النص الأصلي، كأن يُشيَّد على أطلاله وجماله وجلاله وكماله وتمامه نص آخر، مختلف تماما، مهما يكن أجمل من الأصل، يصبح أبعد ما يكون عن معدنه الأول “الدُّوريجين.”!
ومن ثم تبدو هنا حرفية الترجمة للشعرية الأسطورية، المباشرة عن اللغة الأصلية، والمتشددة والمتقيدة بالمتن الأول والأصلي، من دون أي مساس “بصورته الصحيحة” كأن تُبثَّ وتُبعثَ في روحها حياة أخرى جديدة.
(يتبع)
> بقلم: إدريس الملياني