التعليم الأولي.. من عشوائية التدبير إلى فشل التعميم

باعتبار التربية حق من حقوق الإنسان يكفله الدستور (الفصلين 31 و32) والمواثيق الدولية (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية…)، وبناء على تأكيد التقييمات الدولية ((…PISA, PIRLS, TIMSS بأن البلدان التي استطاعت تعميم التعليم الأولي تحصل على أعلى النتائج وساهم ذلك في تطوير منظوماتها التربوية حيث قلصت الفوارق بين المتعلمين، وانعكس بشكل إيجابي على كل مؤشرات الجودة التربوية. فمن واجـب الدولـة إقــرار تعميم التعليم الأولي لتحقيــق إلزاميته ضمانا لتكافؤ الفرص والمساواة. ورغم الوعي بهذه الأهمية والذي نبهت له تقارير المجلس الأعلى للتربية والتكوين، وجاءت به الرؤية الاستراتيجية 2015/2030، والقانون الإطار 17.51، إلا أن نتائج تنزيل ذلك تجعل منظومتنا بعيدة عن تحقيق الأهداف المتوخاة، فالمادة 8 من القانون الإطار 17.51 تجعل من التعليم الأولي جزء من التعليم المدرسي “يشتمل التعليم المدرسي على التعليم الأولي، والتعليم الابتدائي، والتعليم الإعدادي، والتعليم الثانوي التأهيلي” وتؤكد على إعادة تنظيمه وفق ما يلي: “إرساء التعليم الأولي وفتحه في وجه جميع الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين أربع وست سنوات والشروع في دمجه تدريجيا في التعليم الابتدائي في أجل ثلاث سنوات، ويشكلان معا “سلك التعليم الابتدائي”، وحددت نفس المادة أنه سيفتح “في وجه الأطفال البالغين ثلاث سنوات بعد تعميمه”.
وانطلاقا من هذه المادة، فالدولة تلتزم بإرساء تعليم أولي مفتوح في وجه كل الأطفال المغاربة المتراوحة أعمارهم ما بين أربع وست سنوات، وبالرجوع للوثائق الرسمية دائما (مع الإشارة إلى أن الواقع أمر وأدهى من الرسميات) فحسب الإحصائيات الرسمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة الصادرة في 14 فبراير 2022، بلغ عدد الأطفال المتمدرسين بالتعليم الأولي على الصعيد الوطني خلال الموسم الدراسي 2020-2021 ما مجموعه 875313 متمدرسا ومتمدرسة، في حين أنه حسب تقديرات مركز الدراسات والأبحاث الديموغرافية التابع للمندوبية السامية للتخطيط، يبلغ عدد الأطفال المغاربة بين 4 و5 سنوات سنة 2021 حوالي 1166762 طفلا وطفلة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار تعدد الأطراف المتدخلة في التعليم الأولي، فعدد الأطفال الذين استفادوا من التعليم الأولي العمومي حسب نفس الإحصائيات هو فقط 290334، أي أن %24 من الأطفال المغاربة يستفيدون من التعليم الأولي العمومي، وباقي النسب تتوزع ما بين 312889 متمدرسا ومتمدرسة بالتعليم الأولي غير المهيكل (حوالي %27 ) و181639 بالتعليم الخصوصي (حوالي %5.15). فيما يظل حوالي 300000 طفل وطفلة خارج أي نوع من التعليم الأولي، فرغم مرور حوالي ثلاث سنوات على دخول القانون الإطار حيز التطبيق، لم تلتزم الدولة بما جاء فيه، فلازالت لم تنجح في تعميم التعليم الأولي ودمجه في التعليم الابتدائي، ناهيك عما يعرفه من تفاوتات فــي الولوج وتفاوتات في الجودة مما ينتج عنها عدم تكافؤ الفرص في مواصلة التمدرس، بالإضافة إلى التفاوتات بين المجالين الحضري والقروي وبين العمومي والخصوصي، وكذا طغيان النمط غير المهيكل مما يجعل التعليم الأولي يتخبط في العشوائية، ولا يسع المجال هنا للحديث عن تعدد الأطراف المتدخلة فيه، حيث تغيب الوحدة وتسود ممارسات تربوية مختلفة بسبب التباين في التكوين، كما ينتج مشاكل اجتماعية مرتبطة باستغلال العاملين والعاملات فيه من طرف الشركاء.

سعيد المزاح  باحث تربوي

Related posts

Top