التنصيص على تجريم العنف الجسدي بعقوبة سالبة للحرية ولو كان الضرر الناتج عنه ضررا نفسيا خالصا

دعا المشاركون، في ندوة نظمت مؤخرا بالدار البيضاء، تحت عنوان “من أجل ترسانة قانونية لترسيخ مبدأ المساواة بين الجنسين”، تزامنا مع الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، إلى التنصيص على تجريم العنف الجسدي بعقوبة سالبة للحرية ولو كان الضرر الناتج عنه ضررا نفسيا خالصا، مع تشديد العقوبات في الأحوال المرافقة للاعتداءات الجسدية ضد النساء المرتبطة بعوامل من قبيل الرابطة العائلية أو شبه العائلة والحالة الصحية ورفع العقوبة في الجريمة كلما أدت إلى أضرار جسيمة بالأعضاء التناسلية للمرأة، كما هو الحال بالنسبة إلى الاغتصاب الذي صاحبه افتضاض، وتوسيع نطاق الجريمة لتشمل أفعال التحرش الواقعة بدون استغلال لأية سلطة على الخصوص في أماكن العمل، ومؤسسات التعليم والتكوين، ووسائل التنقل العمومي. وتحديد العناصر الأساسية المؤثرة في ملابسات الاعتداءات الجنسية الموجهة ضد المرأة، واعتماد ظروف التشديد المرتبطة بعوامل مكان ارتكاب الجريمة والرابطة العائلية أو شبه العائلة وحالة الاعتياد والحالة الصحية للضحية. كما طالب المشاركون في هذه الندوة، التي نظمتها جمعية ” عدالة وحقوق الإنسان”، بتغيير الفصل 421 من ق.ج وذلك بالنص صراحة على أن أفعال العنف المقترفة ضد الأشخاص والممتلكات بغرض الدفاع عن ضحية اعتداءات جنسية ضد القاصرين خاصة تتمتع بعذر معف من العقاب. وتجريم العنف النفسي الممارس ضد الأفراد والنساء بشكل خاص عندما يرتكب في الإطار الأسري (مع تحديد مفهوم الإطار الأسري) أو في أماكن العمل والدراسة والنقل والخدمات العمومية، ناهيك عن إدراج التمييز على أساس الجنس في الأجور والامتيازات ضمن جريمة التمييز.
وعرفت هذه الندوة عدة مداخلات، في مقدمتها مداخلة الدكتور محمد الباكير، المحامي بهيأة البيضاء، والمختص في القانون الجنائي، الذي قام بتشخيص واقعي لنظرة المشرع إلى المرأة، إذ تناول موضوع السياسة الجنائية المتعلقة بحماية المرأة من العنف، واستعرض تحليلا وصفيا لمستويات الحماية التي يوفرها القانون الجنائي للمرأة في وجه الاعتداءات الجسدية والجنسية والنفسية والاقتصادية، إضافة إلى تلك الموجهة ضد حرياتها الأساسية، لينتقل إلى مساءلة النصوص القانونية ذات الصلة، مشددا على قصورها في ضمان الحماية اللازمة للمرأة. واعتبر المتدخل أن العوامل المفاهيمية أو الإبيستمولوجية تعيق نجاعة الجهود المبذولة في مجال حماية المرأة من العنف، وأن القانون الجنائي لا يعطي الحماية القانونية للمرأة كذات مستقلة بل كمصلحة عامة، وأن الاعتداء عليها جنسيا ليس اعتداء على شخصها بل اعتداء على مصالح عامة، داعيا إلى تعزيز المنظومة القانونية لحماية المرأة باعتبارها ذاتا مستقلة، وغرس قيم مجتمعية تساهم في تحفيز الوعي الاجتماعي.
ومن جهته، أكد رشيد مزيان، رئيس مصلحة قضايا المرأة والطفل بوزارة العدل، أن العنف ضد المرأة هو انتهاك لحقوق الإنسان، وتطرق في مداخلته بالمناسبة إلى استراتيجية وزارة العدل لحماية العنف ضد المرأة، من خلال المكتسبات التشريعية التي تضمنت قوانين مناهضة العنف ضد المرأة، والتي تعززت بتعديل قانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي، إضافة إلى التكفل القضائي عن طريق إيجاد أجوبة لاحتياجات المرأة ضحية العنف باعتماد النجاعة والفعالية، ثم إجراءات أخرى من قبيل إحداث دليل عملي للتكفل بالنساء سنة 2010 وغيرها من الإجراءات التي تحسن صورة المرأة.
كما تدخلت في هذه الندوة المحامية التونسية نجوى بن سعد، حيث تناولت التجربة التونسية من خلال قانون حماية المرأة من العنف الذي صدر في غشت 2017، مؤكدة أنه تكريس لمساواة حقيقية وليس مجرد تسويق سياسي، مشيرة إلى أن القانون الجديد تضمن تعاريف واضحة. وأضافت أن القانون الجديد قدم حماية للمرأة من خلال تعهد الدولة باتخاذ التدابير اللازمة ضد الممارسات التمييزية ضد المرأة والاستغلال الاقتصادي وغيره، كما حدد القانون نفسه تعهدات باقي القطاعات الحكومية. وأشارت إلى أن القانون تضمن برنامجا واقعيا يوفر الحماية للمرأة عن طريق تدابير وقائية وحمائية، مشيرة أنه تطرق إلى أنواع العنف المسلط عليها وتمتيعها بإعانات عدلية “المساعدة القضائية “، وأيضا بالنسبة إلى التعويض عن الضرر، فالدولة تتحمل مسؤوليتها بموجبه وتحل محل العاجز عن أداء تعويضات المرأة الضحية، ناهيك عن الإيواء الوجوبي في حدود الإمكانيات أو إبقاء المرأة في بيت الزوجية في حال طردها، بالإضافة إلى جملة قرارات تنفذ عن طريق وحدة مختصة بالعنف بالإضافة إلى إجراءات أخرى تختص بها هذه الوحدة.
كما تناولت نجاة الرازي، الباحثة في علم الاجتماع والخبيرة في المساواة بين الجنسين، الموضوع من منظور اجتماعي من خلال معطيات ميدانية لمساءلة المشاريع التي بدأت منذ سنوات، معتبرة أن هذه المعطيات الواقعية تؤكد تراجعات كبيرة، كما عرجت على دلالات اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء، وأثارت في معرض مداخلتها ظاهرة العنف التي استفحلت في المجتمع، معززة ذلك بنتائج دراسة للمندوبية السامية للتخطيط، إذ أكدت الخبيرة أن الدولة ملزمة بالتكفل بالنساء ضحايا العنف، مقترحة أن يكون تكفلا شاملا، كما رجحت المتدخلة أسباب ارتفاع العنف إلى الاختلال الموجود على مستوى الحماية والزجر وسيادة ثقافة “الله يسامح” وغيرها، كما استعرضت الصعوبات التي تعترض النساء ضحايا العنف من إبراز بعض الممارسات التي تصدر عن بعض الإدارات العمومية والشرطة، ناهيك عن صعوبة الولوج إلى القضاء.
تجدر الإشارة، إلى أن هذه الندوة، عرفت مشاركة ممثلي الاتحاد الأوربي والسفارة السويسرية بالمغرب والسكرتير الأول بالسفارة النرويجية الداعمين لهذا النشاط، إلى جانب فعاليات مجتمعية مهتمة بقضايا الشأن الحقوقي عامة والمرأة خاصة. وبينما اعتبر ممثل الاتحاد الأوربي، الذي استهل كلمته باللغة العربية، أن اللقاء لحظة حاسمة لما يشكله موضوع محاربة العنف ضد المرأة من أهمية في التطور والترقي، وأيضا بالنظر إلى التغييرات التي عرفها المغرب على المستوى الدستوري أو القانوني، أكدت ممثلة السفارة السويسرية بالمملكة، أن بلدها سويسرا لم يعترف بحقوق المرأة إلا في 1971، وتحدثت عن مختلف جوانب تطوير القوانين ونظرة المجتمع، لتنتهي إلى تثمين الجهود التي يقوم بها المغرب. من جانبها ألقت ممثلة سفارة النرويج بالمغرب، كلمة أوضحت فيها أنها تشتغل مع جمعية “حقوق وعدالة” منذ سنوات مؤكدة على العمل المهم الذي تقوم به الجمعية في المجال.

بيان اليوم

Related posts

Top