في شوارع باريس المزدحمة، على غرار شارع ماجنتا بالدائرة العاشرة، لا يتوقف تدفق الدارجات الهوائية التي تسلك مسالكها الخاصة، مع تفوق في بعض الأحيان لعدد الدراجات الهوائية على السيارات بطرق العاصمة الفرنسية الرئيسية. ويبدو أن وسيلة النقل هاته، الاقتصادية والإيكولوجية، قد استهوت على العديد من الفرنسيين، لاسيما سكان جهة إيل دو فرانس الذين يفضلون تجنب وسائل النقل العمومية، خاصة خلال ساعات الذروة. وفي هذا السياق، تقول ناويمي، التي اعتمدت الدراجة الهوائية في تنقلاتها، إن رحلتها اليومية التي تقل عن ثلاثة كيلومترات تستغرق وقتا أقل بالدراجة مقارنة بالسيارة، مضيفة أنها “مفيدة أيضا للبيئة، حيث ليس هناك انبعاثات للغازات الدفيئة، ولا جزيئات دقيقة أو غازات سامة”.
وتؤكد الأرقام هذه الدينامية التي يعرفها “التنقل البيئي” في الحياة اليومية للفرنسيين. وبشكل عام، ازدادت ممارسة ركوب الدراجات الهوائية بشكل كبير منذ رفع الحجر الصحي قبل عامين وتراجع وتيرة العمل عن ب عد، كما لاحظت جمعية (Vélo et territoires)، منسقة شبكة مسالك الدراجات الهوائية في فرنسا، في آخر تقرير لها.
وفي أوائل شهر يناير الجاري، تم الكشف عن حصيلة مؤقتة لعام 2022 حول ركوب الدراجات في فرنسا، أكدت أن هذه الممارسة ازدادت بشكل حاد في الأقاليم الفرنسية.
وأشار التقرير إلى أن “مستويات ركوب الدراجات الهوائية في 2022 كان أعلى بشكل عام من مستويات 2021، وأعلى بكثير من مستويات 2019، السنة المرجعية للتقرير قبل الأزمة الصحية”.
وبحسب المصدر ذاته، سجل ركوب الدراجات الهوائية زيادة نسبتها 31 بالمائة في 2022، مقارنة بعام 2019، و8 بالمائة مقارنة بـ 2021. ومن حيث متوسط الاستخدام اليومي في فرنسا، فإن المستويات المسجلة خلال 2022 كانت أعلى من عامي 2021 و2019.
ورغم أن هذه الأرقام مشجعة، إلا أن الجمعية أشارت إلى أن الوتيرة قد لا تكون كافية لتحقيق الأهداف الوطنية في مجال التنقل المستدام، والمتمثلة في نسبة 12 بالمائة من التنقلات بحلول 2030.
وقال التقرير إن “الاستخدام الوطني خلال السنة الماضية أعلى بالتأكيد من أرقام 2021، باستثناء شتنبر (ناقص 2 بالمائة) ودجنبر حيث حافظ على نفس الوتيرة”، مشيرا إلى أن هذه الحصيلة تتأثر بشدة بالإقبال الذي تعرفه الدراجات الهوائية في المناطق الحضرية، والتي تستمر في النمو بأرقام مهمة (زائد 10 بالمائة مقارنة بعام 2021).
وفي المقابل، كانت النتائج أكثر تباينا في المناطق شبه الحضرية والقروية مع فترات تراجع (من فبراير إلى أبريل، وأشهر غشت وشتنبر ودجنبر). وبالتالي، فإن حصيلة المناطق شبه الحضرية والقروية ليست سيئة ولكنها تظل مرتبطة بممارسة ترفيهية تتميز بالعطلات والطقس.
ومن خلال تحليل وتيرة ركوب الدراجات في هذه المناطق الثلاثة (الحضرية وشبه الحضرية والقروية)، نرى أن ممارسة ركوب الدراجات في الوسط الحضري راسخة وتتقدم بقوة على أساس أسبوعي، بينما لا تزال الممارسة في المناطق القروية وشبه الحضرية ضعيفة.
وتفترض الجمعية أن ممارسة ركوب الدراجات الهوائية في المناطق القروية وشبه الحضرية يكون أكثر توجها نحو الترفيه، ومرتبطا كثيرا بحالة الطقس.
وقد يعزى هذا التباين أيضا لمخطط ركوب الدراجات الهوائية والتنقل النشط 2022-2027 الذي وضعته الحكومة الفرنسية، حيث يساعد المخطط السلطات المحلية في تمويل مشاريع البنية التحتية للدراجات الهوائية على ترابها، إلا أن التمويل مشروط بأن تتوفر الجماعات على الوسائل الهندسية لإنشاء هذه المشاريع، مما يستثني غالبا الجماعات الصغيرة.
ومع ذلك، منذ تقديم أول مخطط حكومي للدراجات الهوائية في العام 2018، زاد عدد الكيلومترات من المسالك الخاصة بالدراجات، الأمر الضروري لتطوير ممارسة ركوب الدراجات يوميا في فرنسا، بشكل كبير بنسبة 26 بالمائة.
وفي العام 2018، كانت الحكومة الفرنسية تأمل في زيادة حصة التنقلات التي تتم بالدراجة الهوائية إلى 9 بالمائة بحلول العام 2024، وإلى 12 بالمائة بحلول 2030، مما يمكن من تجاوز المعدل الأوروبي البالغ 7 بالمائة.
التنقل المستدام.. الدراجة الهوائية تستهوي الفرنسيين
الوسوم