لا أحد ينكر الجهود التي تقوم بها مصالح أمن الدار البيضاء للحد ومحاربة الجريمة من خلال حملات متواصلة وروتينية تكاد تكون على مدار الساعة يوميا، إلا أنه ورغم كل هذا، فإن ما تلوكه ألسنة المواطنين من كلام واحاديث، يستأثر فيه التساؤل عن وضعية الأمن في ظل تزايد الجرائم التي أمست هاجسا كبيرا يؤرق بال البيضاويين.
لا أحد ينكر الجهود التي يقوم بها رجال الأمن في محاربة الجريمة بكل تجليلتها، نموذج بسيط لهذه المجهودات ما تقوم به مصالح أمن الدار البيضاء، من حملات متواصلة وروتينية، تمكنت خلال واحدة من هذه الحملات فقط، من توقيف، مؤخرا، لـ 890 شخصا، من بينهم 666 شخصا تم ضبطهم في حالة تلبس باقتراف أفعال إجرامية، و224 كانوا يشكلون موضوع بحث من أجل جنايات وجنح مختلفة.
ورغم كل هذا، فإن ما يتداوله البيضاويون من حديث في مجالسهم، يستأثر فيه التساؤل عن الأمن في ظل تزايد الجرائم التي أمست هاجسا كبيرا يؤرق بال المواطن. في الحقيقة، هناك تدمر كبير من قبل المواطنين من كثرة الجرائم التي باتت مسرحا لها العاصمة الاقتصادية في الشهور الأخيرة، فقد أفاد مواطنون من هنا وهناك بتصريحات لبيان اليوم تنتقد مجملها الأداء الأمني، وروى هؤلاء قصصا وحكايات عن شوارع وأزقة تحولت لمجال خصب لجرائم السرقة واعتراض السبيل والسطو تحت التهديد بالسلاح الأبيض.
محمد، شاب في العشرينيات من العمر التقته بيان اليوم بمنطقة عين الشق، تحدث كثيرا عن حوادث السرقة بالخطف التي قال إن شارع القدس بعمالة عين الشق صار “يحفل” بها يوميا، فلا تكاد تمر ساعة أو ساعتين، يضيف، حتى تسمع عن ضحية تعرضت لعملية سرقة عن طريق الخطف، بمكان ما على امتداد هذا الشارع المؤدي إلى ولاية أمن المنطقة. وتشير رواية هذا المواطن الذي يقطن بحي الضمان، إلى ان لصوصا متخصصين في سرقة الهواتف النقالة والمحفظات بالخطف، يستعملون دراجات نارية في عملياتهم الاجرامية، يستهدفون الضحايا دون تمييز في هذه الشارع الذي اضحى نقطة سوداء، مشيرا في كلامه إلى تعرض رجل أمن، مؤخرا، لمحاولة سرقة هاتفه النقال حين كان يهم بارتياد إحدى المقاهي بعد ركن سيارته بالشارع المذكور، ولولا اللياقة البدنية للشرطي ومطاردته للص الذي كان يسعى للفرار بنقل دراجته النارية للسرعة القصوى، لما قبض على السارق ولما استعاد الشرطي هاتفه النقال. في الواقع، لا أحد يتجاهل العمليات الأمنية المكثفة التي تندرج في إطار الجهود المتواصلة التي تبذلها جميع المصالح الأمنية بمدينة الدار البيضاء، لمكافحة الجريمة بمختلف صورها وأشكالها، ولا أحد ينكر ما يقوم به رجال الأمن في إطار هذه الاستراتيجية الأمنية، والتي مكنت حملتها المذكورة، من توقيف 133 شخصا في إطار قضايا العنف والإيذاء العمدي، و97 شخصا من أجل جرائم المس بالممتلكات، و17 من أجل الاعتداءات الجنسية والتحريض على الفساد، و317 في قضايا استهلاك وترويج المخدرات، والتي بلغت الكميات المحجوزة فيها 1 كيلوغرام و513 غراما من مخدر الكوكايين، و7 كيلوغرام و317 غراما من مخدر الحشيش، و2194 قرصا طبيا مخدرا، بالإضافة إلى 3 كيلوغرامات و773 غراما من مخدر المعجون. ولكن في مقابل كل هذه المجهودات، يبقى شعور المواطن البيضاوي بالقلق مما يخطر بباله من أفكار وتصورات حول الوضع الأمني، وإحساسه بالخوف من شيء ما قد يصيبه وهو يتجول في إحدى شوارع هذه المدينة المشرعة على كل الاحتمالات، لاسيما، تلك التي تنسج مما يتداوله هذا وذاك من أخبار عن استفحال الجريمة، ويغذي هواجس اغلبية البيضاويين. عبد القادر بائع سمك بسوق باب مراكش، يقول في تصريح لبيان اليوم: “لم نعد نشعر بالأمان خلال تحركاتنا في هذه المدينة وصرنا أكثر تنبها مما كنا عليه من قبل، بالرغم من أن الحدر لا يمنع من وقوع المقدور، ولكن، ليست لنا حيلة في مواجهة التحديات التي تفرضها نشاطاتنا اليومية التي تبدأ فجر كل يوم بالتوجه إلى سوق الجملة من أجل جلب السلع”.
يحكي هذا المواطن البسيط الذي خبر تفاصيل المدينة العتيقة ويملك معلومات قيمة عن هذه الحاضرة التي تملك من الإمكانات والمؤهلات ما قد يجلب السياح الأجانب للمنطقة، لو استغلت بطرق معقلنة، يحكي عن ضحايا تعرضوا للسرقة من قبل مجرمين اعترضوا سبيلهم وسلبوهم ما بحوزتهم من أغراض، ويقول، إن الكثير من الضحايا لا يقدمون شكايات إلى مصالح الأمن خوفا من الانتقام.
ومن بين ما جاء في حديث عبد القادر واقعة يقول إن حي سيدي فاتح كان مسرحا لها، حيث تعرضت، مؤخرا، شابة كانت في زيارة لعائلتها بالمنطقة لعملية سرقة بعد اعتراض سبيلها من قبل لصوص استولوا على حقيبتها اليدوية التي تحوي وثائقها ومبلغ من المال. يتحدث عبد القادر، عن مستوى التذمر الذي أصبح لا يطاق من قبل سكان المدينة القديمة، لاسيما، يقول، عقب الجريمتين البشعتين اللتين وقعتا في يوم واحد خلال الشهر الأول من هذه السنة الجارية وهزتا سكان المنطقة. يتذكر عبد القادر كيف كان ذاك اليوم داميا بامتياز، بقيام شقيقين يمتهنان السمك بتصفية بائع سمك آخر في خضم اقتتال ضار باستعمال الأسلحة البيضاء، وذلك قبل انتهاء التحقيق الأولي في جريمة أخرى لا تقل عنها بشاعة، ارتكبها لصان أجهزا على جزار بواسطة السلاح الأبيض في محاولة لسرقته بالعنف.
ولم تسلم الحافلات العمومية من بأس هذه الظاهرة الإجرامية التي ارتفعت وتيرتها في فصل الصيف، حيث يواجه ركاب الحافلات يوميا كثرة اللصوص سواء عند المواقف والمحطات الإجبارية أو داخل الحافلات نفسها، حيث تعرض عدد من الركاب للنشل من طرف لصوص يتقنون السرقة في الازدحام ويكثفون من عملياتهم خلال هذه الفترة، نموذج ذلك ما تعرضت له، مؤخرا، سيدة كانت تهم بركوب حافلة رقم 7.
ولكن في مقابل كل ما قيل ويقال حول الوضع الأمني، تبقى، حصيلة التدخلات الأمنية في الدار البيضاء ما بين 16 ماي 2015 إلى 16 ماي 2016 جد مشرفة، حسب معطيات وأرقام قدمت خلال الاحتفال بالذكرى الستين لتأسيس الأمن الوطني تفيد بأن معدل الجريمة، انخفض بنحو 3567 قضية أي بنسبة 4 في المائة ما بين 16 ماي 2015 إلى 16 ماي 2016، وعدد الجرائم العنيفة انخفض هو الأخر بنحو 1500 قضية أي بنسبة 7 في المائة خلال الفترة ذاتها. وقد تمكنت خلال هذه الفترة المديرية من حجز أزيد من 94 ألف قرص مهلوس، مقابل 32644 خلال العام الماضي، مع تمكنها من تقليص عدد الأشخاص المبحوث عنهم بإيقاف 5670 بزيادة 1200 مبحوث عنه، أي بزيادة بلغت 26 في المائة. وبحسب مصدر أمني، فإنه لمواجهة مختلف أشكال الجريمة والاختلالات الأمنية بالعاصمة الاقتصادية في فصل الصيف، الذي يعرف زيادة في الحركية مقارنة مع باقي أيام السنة نتيجة ارتفاع عدد الزوار والسياح الوافدين على المدينة، إضافة إلى ارتفاع في حظيرة السيارات العابرة والمتجولة إلى جانب الانتعاشة التي تعرفها مختلف الأنشطة التجارية والترفيهية والثقافية والرياضية والتي غالبا ما تمتد إلى ما بعد منتصف الليل، تم اعتماد استراتيجية تقوم على تركيز الجهود الوقائية على عدة محاور من خلال العمليات الاستباقية لتفادي وقوع أفعال السرقة والعنف وباقي أشكال الاعتداءات الأخرى، وتكثيف التواجد الأمني بالشارع العام بشكل معقلن على مدار الساعة بهدف تغطية كامل القطاعات الترابية ، مما يسمح بالقرب من المواطنين وزوار العاصمة الاقتصادية، ويضمن السرعة والفعالية في التدخل عند الحاجة.
سعيد ايت اومزيد