تقدم «البوليساريو» كل يوم دليلا جديدا عن حالة الارتباك التي تتخبط فيها قيادتها، وتكشف عن عقليتها، وعن حقيقة الموقف الجزائري الذي يحرك كامل اللعبة. لقد أحست جماعة عبد العزيز والمخابرات الجزائرية بقوة الضربة التي جسدتها شجاعة مصطفى سلمى ولد مولود، ولم تكتف بمنعه من العودة إلى أسرته في تيندوف، وتهديد سلامته وحياته، ولم تكتف أيضا بتهديد أسرته وأطفاله، إنما عمدت إلى دفع الجنون إلى مداه، وأقدمت على وقف عمليات تبادل الزيارات الإنسانية بين الأسر الصحراوية، ولم تتردد في إرجاع طائرة مفوضية اللاجئين من مطار تيندوف.
عندما انطلقت عمليات تبادل الزيارات هذه عام 2004، كانت الغاية تعزيز أجواء الثقة بين الأطراف، وجعل ذلك يشجع على تيسير المفاوضات، وعندما صارت الرحلات تسمح للعائدين من تيندوف بالاطلاع على الواقع الحقيقي في الأقاليم الجنوبية، وتجعل الكثيرين منهم يختارون البقاء في الوطن إلى جانب أهلهم برغم كل الضغوط والمخاطر، وعندما تزايدت موجات الفرار من جحيم تيندوف نحو الوطن، وعندما عانق الطريق ذاته مفتش ما يسمى «شرطة البوليساريو»، هنا أحس عبد العزيز ومعه النظام الجزائري أن الخطر قادم، وصاروا كلهم يدورون حول أنفسهم، وأقدموا على توزيع التهديد والوعيد ذات اليمين وذات الشمال على المحتجزين، وأعلنوا الاستنفار، وحين لم يخف أحدا، صوبوا الاتجاه نحو الأمم المتحدة، واختاروا طريق المجانين، أي وقف عمليات التواصل الإنساني بين الأسر.
الكرة الآن عند مفوضية اللاجئين المسؤولة عن العملية، وعند كريستوفر روس المعني ضمنيا بهذا الضغط الاستباقي، وعند الأمم المتحدة والدول العظمى.
هؤلاء مسؤولون اليوم عن قول الحقيقة، وتحديد الطرف المعرقل لمسار الحل، وإعلان رفض التعنت والعبث الذين تمارسهما الجزائر.
المراقبون، وقبلهم ساكنة المخيمات، يتطلعون اليوم إلى المنتظم الدولي من أجل تحرك فعلي وحقيقي لوقف هذا العبث، وهنا على الأمم المتحدة ومفوضية اللاجئين أن يرفضا كل الضغوط، ويتشبثا باستمرار الزيارات الإنسانية، كما يجب أن يساند الكل مصطفى سلمى ولد مولود في حقه في العودة إلى تيندوف وفي التعبير عن رأيه، وعدم الانصياع إلى سيناريو البوليساريو الرامي إلى تحريف النظر عن هذه القضية، فضلا عن ضرورة فك الحصار عن مخيمات تيندوف وجعلها مفتوحة في وجه وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية بكل حرية ومن دون ضغوط أو توجيه.
لقد صار واضحا اليوم من يرفض فعلا الوصول بنزاع الصحراء إلى حل سياسي نهائي، وعلى المجتمع الدولي تحمل مسؤوليته.