الحاجة إلى أحزاب حقيقية

يستغرب الكثيرون لتواتر حالات الاشتباك و»التقاتل» بين الأحزاب في الفترة الأخيرة، إن على الساحة الوطنية أو في مناطق متعددة من البلاد.
وتكتسي هذه «المقاتلة» طبيعة علنية أحيانا عبر ما ينشر في الصحف، أو من خلال التلاسن وتبادل الشتائم تحت قبة البرلمان، كما أنها تتجسد في العديد من المناطق، عبر فبركة المقالب لتغيير الأغلبيات المسيرة للجماعات المحلية، أوحين يعمد طرف إلى جر خصمه إلى التورط في ملفات، منها من تكون له امتدادات وطنية في غاية الخطورة، وفي مرات أخرى قد يصل بعضها إلى القضاء…
صحيح، أن «المقاتلة» المشار إليها تبقى واضحة في الحالات التي تجمع طرفا حزبيا صار معروفا اليوم، مع أحزاب أخرى لها، على كل حال، شرعيتها التاريخية والانتخابية الواضحة، لكن الغريب عندما نتفحص الصورة  لدى قوى سياسية وطنية ديمقراطية عريقة وذات مشروعية، فإن المتابع لمسارها يكاد يحس أنها لا تهتم هذه الأيام سوى بالتقاتل التنظيمي الداخلي، أوبالبحث عن سبل التفرد بمواقف، ويشعر المرء بالرعب من ابتعاد هذه الأحزاب عن صنع مواقف تجاه القضايا الأساسية للبلاد.
إن المغرب الذي يواجه رهانات وطنية وديمقراطية وتنموية لا تخفى حساسيتها، يحتاج اليوم إلى أحزابه الحقيقية، ويحتاج إلى حقل حزبي قوي ومنظم وواضح، ويتشكل من قوى مستقلة في حياتها وفي قراراتها، وهذه القوى موجودة فعلا، ويتميز المغرب بكونه أنجبها، ولم يسر على طريق بلدان عربية أخرى اختارت الاستبداد وحكم الحزب الوحيد، وهاهي اليوم تشهد الانهيار تلو الانهيار.
إن الدرس المهم مما يجري اليوم في مصر، هو حاجة البلاد إلى أحزاب متجذرة وقوية وذات شرعية تاريخية واستقلالية في القرار، بدل أن يتم إنهاك هذه الأحزاب طيلة عقود، كما فعل النظام المصري، وقمعها وخنقها، وفي النهاية تجد البلاد نفسها بأشخاص يلتقون في ميدان التحرير بالقاهرة، ويشكلون «مجلس العشرة» ويفوضونه البحث عن وسيلة للتقرب للجيش، ويصير المشهد كما لو أن البلد تحول إلى مجرد قبيلة، ويصدم الكثيرون لكون المشهد خاليا من أحزاب وحركات مصرية عريقة، ومثلت في التاريخ مدارس في السياسة وفي الفكر.
الجواب هنا لا يوجد في أعطاب الذات فقط، إنما في سياسة دامت عقودا، وقامت على القمع وعلى التفرد بكل المؤسسات، وعلى الاختراق وعلى الإغراء، وعلى الريع وعلى الفساد، وعلى تحويل معظم القوى السياسية إلى «كومبارس» ماسخ وفاشل.
في المغرب هناك من يحلم بالسير على هذه الطريق، لكنها حتما لن تقود إلى بناء مغرب قوي ديمقراطي متقدم، وإنما ستقتل التميز المغربي، وستعيدنا إلى تكرار سياسات فشلت في بلدان عربية، وأودت بأنظمتها إلى…دوي الفراغ.

Top