خلال أيام دراستي الثانوية كانت للاحتفال بعيد الحب في معهدي طقوس خاصة جدا.
لا أحد يعرف من وضع تلك الطقوس التي تحولت مع الزمن إلى قوانين لا يحيد عنها أحد.
كان المعهد يضم تلاميذ يعيشون مرحلة مراهقتهم، أكبرهم في التاسعة عشرة من عمره وأصغرهم في الخامسة عشرة، هناك أين عرفوا معنى الحب لأول مرة عن طريق مقررات دراسية مختارة تضمنت كتاب طوق الحمامة لابن حزم وبعضا من أشعار نزار قباني عن المرأة والحب.
كان أستاذ اللغة العربية يدرسنا الأشعار بالاستعانة بمسجل كاسيت يصدح منه صوت كاظم الساهر.. كان كل شيء غاية في المثالية. أكاد أجزم أن أغلبنا خبر شغف الحب ولوعة الفراق لأول مرة أيضا في المعهد.
المهم، يأتي اليوم الموعود.. أخيرا إنه الفلانتاين.. يفرض القانون الأول على الفتيات أن يأتين يومها وقد لبسن ما تيسر باللون الأحمر “الشعشاعي”. حين يدق الجرس في الثامنة صباحا تتلاطم أمواج حمراء في ساحة المعهد مؤذنة ببداية الاحتفال.
يتعلق القانون الثاني بالهدايا، إذ جرت العادة أن تهدي الفتاة لحبيب الغفلة كتابا. لحظة لا تظنّن أنهم مثقفون ومثقفات فالكتاب هو إحدى روايات عبير الرومانسية وهي طريقة مبتكرة للتعبير عن حبها.
أما الشاب فيهدي حبيبته وردة حمراء وعلبة شوكلاتة كلما غلا ثمنها زادت قيمته عندها. تأكل الفتاة شوكلاتة وتحتفظ بغلاف العلبة في كراستها مع أوراق الوردة الذابلة.
وقد يدوم الاحتفاظ بهما سنوات. وفي المساء تختتم الاحتفالات بتحويل قاعة المراجعة إلى ملتقى المحبين بعد أن كان مدير المعهد العذول أمر بقطع الأشجار أمام المعهد التي كانت تقي العشاق برد الشتاء وحرارة الصيف.
لا أعرف لماذا يذكرني الفلانتاين بالاحتفاء بالحصبة.
في تونس كانت الأسر تحتفي بإصابة أبنائها بمرض الحصبة. وسواء كان فتاة أو فتى فهو يرغم على ارتداء ثوب أحمر ويوضع في شعره ما تيسر من الإكسسوارات الحمراء.
تفرش له أمه فراشا أحمر وتغطيه بآخر أحمر لا شيء يعكر صفو اللون الأحمر سوى لون الجدران الذي يكون أزرق عادة.
في المساء يحضر أولاد الحي يحملون أكياس الحلوى التي يبعثرونها على رأسه وسط الضحكات.
خف الاحتفاء بإصابات الحصبة في العائلات التونسية ولا أعرف إن كانت طقوس الاحتفال بالفلانتاين لا تزال متبعة بعد في معهدي.
لكن الأكيد أن الحب في زمن الاحتفاء بالحصبة كان نقيا رائعا.
> لبنى الحرباوي