في لقاء حمل تيمة” الحركة النسائية والحوار بين الأجيال” والذي شكل تقييما للمسار النضالي للحركة النسائية ورسم معالم للمستقبل، وجه تحالف جيل النوع الذي يضم كلا من الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب وجمعية “إعلام وثقافات” و فيدرالية رابطة حقوق النساء نداء دعا فيه إلى توحيد الجهود بين الأجيال لمواجهة مختلف التحديات التي تعيق مسار تفعيل حقوق النساء ومكافحة التمييز ومناهضة العنف الذي يطال الإناث بمختلف فئاتهم العمرية.
وجاءت هذه الدعوة كخلاصة ضمن التوصيات التي تضمنتها الدراسة التي أنجزها تحالف النوع وتم تقديم نتائجها صباح أمس الخميس بالرباط ضمن فعاليات ندوة موسعة نظمها تحالف جيل النوع ، تحت عنوان” الحركة النسائية وحوار بين الأجيال” ، والتي حضرتها مجموعة من الرائدات المؤسسات للحركة النسائية ، حيث تم التأكيد على توصية تدعو إلى اعتبار الحوار بين الأجيال في الحركة النسوية المغربية ضرورة استراتيجية لا غنى عنها لمواجهة التطورات الاجتماعية والسياسية والثقافية.
وأكدت عاطفة تمجردين ، رئيسة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب خلال افتتاح أشغال هذا اللقاء الذي حضرته مناضلات ومناضلين من الجيل السابق الذين أسسوا للحركة النسائية وساروا بها في دروب الترافع والمناضلات والمناضلين داخل ذات الحركة من الجيل الصاعد، على أهمية هذا اللقاء بما يمثله من حمولة تسعى لرسم معالم المستقبل، بحيث تتكاثف الجهود بين الجيلين من المناضلات والمناضلين داخل الحركة النسائية لتحقيق المزيد من المكاسب على المستوى التشريعي وفي ميدان تفعيل الحقوق الإنسانية للنساء.
وشددت في هذا الصدد بالقول “إن مسار النضال طويل وشاق ولكن توحيد الجهود بين الجيلين كفيل برفع مختلف التحديات التي لازالت تعترض مسار تفعيل الحقوق الإنسانية للنساء وإقرار المساواة بين الجنسين، على أن يكون الحوار أحد المفاتيح التي يعتمدها الجيلين في مقاربة التحولات المجتمعية والسياسية والثقافية والتوفيق بين مختلف الرؤى على درب النضال”.
ووقفت الدراسة على إشكالية التوثيق والأرشفة التي تشكو منها الحركة النسائية، وأوصت في هذا الصدد على ضرورة إطلاق ورش التوثيق والأرشفة وذلك للحفاظ على ذاكرة الحركة وضمان نقلها إلى الأجيال الصاعدة ، والعمل في ذات الوقت على تنظيم جلسات تخصص لتقاسم التجارب والمسارات التي خاضها الجيل الأول من المناضلات الرائدات داخل الحركة النسائية والمقاربات والاختيارات وتقنيات الترافع وخوض المعارك على درب تفعيل الحقوق الإنسانية للنساء ، هذا فضلا عن ترصيد العمل الذي تم القيام به على مستوى الحركة النسائية، على أن تتحلى المناضلات الرائدات بالكثير من التواضع عند بسط تجاربهن والمبادرات التي قمن بها داخل الحركة النسائية.
كما أوصت الدراسة بأن تضمن الحركة تمثيلا شاملا لجميع الأجيال وجميع الأصوات، من خلال تعزيز المشاركة الفعالة للشابات في هيئات صنع القرار، وأن تحرص الحركة النسائية أيضا على استغلال الإمكانات التي توفرها التكنولوجيات الحديثة، وذلك لتعزيز أصوات المناضلات داخل الحركة النسائية وتوعية الجمهور وحشد التعبئة من أجل تحقيق التغيير المنشود على مستوى وضعية النساء ، وشددت في المقابل على عنصري التبادل والتعاون بين الأجيال بما يحقق الاعتراف بقيمة خبراتهن ومهاراتهن
هذا وأفردت الدراسة جانبا عددت فيه التحديات المتعددة والمعقدة التي لازالت تواجه الحركة النسائية، على رأسها وجود مقاومة اجتماعية وثقافية، وتشير الدراسة على هذا المستوى أنه بالرغم من التقدم الكبير الذي تم إحرازه خلال العقود الأخيرة، لا تزال الأعراف الأبوية راسخة ومنغرسة في عمق في المجتمع المغربي، وهذا ما يؤدي إلى تغذية أشكال من من العنف النظامي ويعيق إقرار المساواة بين الجنسين، ويترجم هذا الوضع بشكل جلي مضامين النقاشات الأخيرة حول إصلاح مدونة الأسرة، حيث كشفت الخطابات المحافظة عن حجم المقاومة.
ووقفت الدراسة على وجود تقارب قوي في وجهات النظر بين الجيلين حول الأهداف الأساسية للحركة النسوية، حيث كلاهما تتقاطع آراءهما حول اعتبار مكافحة جميع أشكال التمييز والعنف ضد النساء أمرا بالغ الأهمية، كما يعتبر يعتبر هدف مشترك بينهما مسألة تعزيز المساواة بين الجنسين في جميع مجالات الحياة، سواء تعلق الأمر بالوصول إلى التعليم أو العمل أو الرعاية الصحية أو المشاركة السياسية.
كما أشارت الدراسة إلى أن التحدي الرئيسي الذي تواجهه الحركة النسائية، يتمثل في نقص تمثيل النساء في المؤسسات الرئيسية، الأمر الذي يعقد من اعتماد إصلاحات هيكلية ومستدامة، منبهة في هذا الصدد إلى ظهور خطر جديد، يتمثل في تصاعد العنف عبر الإنترنت وردود الفعل العنيفة، التي تستهدف بشكل خاص الناشطات الشابات، والتي تسعى إلى التشكيك في الحقوق المكتسبة .
وكشفت أن هذا العنف يتجاوز مجرد الاعتداءات اللفظية، حيث يشمل حملات منظمة من المضايقات والتهديدات الصريحة، تصل أحيانا إلى درجة انتهاكات خطيرة للخصوصية، كما أشارت إلى ضعف مشاركة الرجال ، مؤكدين أنه بدون مشاركتهم الفعالة ، سيكون من الصعب تغيير العقليات وتعزيز المساواة الحقيقية، لاسيما بالنسبة لمسألة تفكيك الصور النمطية وتوعية الأجيال الشابة.
وتعتبر أمينة لطفي، ممثلة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب،: “أن المفتاح أمام هذه المعطيات يبقى هو تضافر الجهود بين مختلف الأجيال ، فهو الكفيل بأن يسمح بتفعيل حقوق النساء وتعزيز المكتسبات والتغلب على التحديات الجديدة”لافتة في هذا الصدد بالتأكيد على أن مساهمة كل جيل يعد أمرا أساسيا، على اعتبار حسب منظورها، أن التعاون والحوار بين الأجيال هما اللذان سيسمحان ببناء حركة نسوية تضامنية وشاملة تتمتع بالقدرات والأدوات اللازمة لتوحيد طاقات وخبرات مختلف الأجيال.
وأضاف من جانبه، عبد المجيد مودني، ممثل جمعية “إعلام وثقافات”، أن ” التعاون بين الأجيال يوفر فرصة حقيقية، فهو يسمح بخلق مساحات للحوار والتعلم المتبادل، حيث يمكن لكل جيل تقديم مساهمته، الشباب بطاقتهم وأفكارهم المبتكرة وإتقانهم للأدوات الرقمية، والأجيال الأكبر سنًا بخبرتهم ودروسهم المستقاة من النضالات الماضية.
وأشار بنبرة مؤكدة ” على أن الجيلين معا يمكنهما تعزيز ظهور المطالب النسوية، لا سيما بفضل قوة شبكات التواصل الاجتماعي للوصول إلى جمهور أوسع وأكثر تنوعً، قائلا “إن هذه الشراكة بين الأجيال ليست مجرد حل، بل هي محرك أساسي للابتكار وبناء المرونة الجماعية وضمان استمرار تطور الكفاح من أجل المساواة في مجتمعنا.من خلال تعزيز هذا الحوار بين الأجيال، فإننا نمنحه الوسائل اللاّزمة لمواجهة تحديات اليوم والتحضير لتحديات الغد.”
وبشأن مضامين الدراسة التي تم تقديمها خلال فعاليات هذه الندوة،والتي سلطت الضوء على خصوصيات كل جيل من النسويات، من الرائدات اللائي قمن ببناء الحركة إلى الجيل الرقمي الذي يستخدم الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي كمساحة رئيسية للتعبئة، أوضحت يسرى البراد، ممثلة فيديرالية رابطة حقوق النساء، ” أن هذه الدراسة جاءت لتلخيص 4 سنوات من عمل تحالف “جيل النوع” بالمغرب في تجربة رائدة وتشاركية لإنشاء مساحات شاملة ب يتقاسمها الجيلين ، جيل الرائدات والجيل الصاعد، قائلة “إننا ندرك أن مختلف أجيال النسويات لديها مرجعية وهدف مشترك، وهو تفعيل حقوق النساء والوصول إلى العدالة الجندرية، ومع ذلك، تختلف وسائل العمل من جيل إلى آخر، ويبقى تظافر الجهود والتضامن بين هذه الأجيال المختلفة أمر ضروري لتعزيز صوت الحركات النسوية وتنشيط القضية وتفعيل حقوق النساء ومكافحة العنف والتمييز القائمين على النوع.”
ويشار أن هذا اللقاء تضمن جلسات ، تم فيها تسليط الضوء على العمل النضالي الذي قامت به الحركة النسائية ، حيث كشفت شهادات وناشطات الحركة عن غنى وتنوع الحركة النسوية في المغرب ، والعمل والمبادرات التي ساهمت في بلورتها مختلف الأجيال التي ساهمت في تشكيل نواة هذه الحركة ومساراتها فيما بعد التأسيس.
وتضمنت الشهادات المقدمة تجارب الرائدات اللاّتي ناضلن من أجل إدماج حقوق النساء في عملية الدمقرطية إلى الناشطات الشابات اللاتي يستخدمن الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي للتنديد بالتمييز والظلم وحشد الجهود من أجل التغيير، حيث قدم كل جيل مساهمته الفريدة في النضال من أجل المساواة.
فنن العفاني