بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة العنف ضد المرأة، الذي يصادف 25 نونبر من كل سنة، أعطيت يوم أمس، في المغرب والعالم، انطلاقة الحملة التحسيسية “16 يوما من الأنشطة للقضاء على العنف”، والتي تستمر إلى غاية 10 دحنبر المقبل (اليوم العالمي لحقوق الإنسان)، وذلك في إطار المساعي الرامية لرفع الوعي وإحداث التغيير بشأن مظاهر العنف والتمييز التي تتعرض لها يوميا ملايين النساء والفتيات.
هذا الواقع المؤلم الذي يأبى إلا أن يفرض نفسه رغم الجهود المبذولة، يظهر مجددا من خلال بيانات الأمم المتحدة التي تم الكشف عنها بمناسبة اليوم العالمي مؤكدة أن 85.000 امرأة وفتاة قتلن عمدا في عام 2023، بمعدل امرأة أو فتاة كل 10 دقائق، والأدهى أن ذلك يتم على يد الشريك الحميم أو أحد أفراد الأسرة المقربين.
وتظهر الدراسات أن نسبة انتشار العنف ضد النساء والفتيات الذي أصبح يعتمد على التكنولوجيا كأداة لممارسة لعنف، تتراوح بين 16 و58%، وأن النساء الأصغر سنا يتأثرن به بشكل خاص. حيث إن جيل Z (المولود بين عامي 1997 و2012) وجيل الألفية (المولود بين عامي 1981 و1996) هما الأكثر تضررا. فيما تتعرض 70% من النساء في الصراعات والحروب والأزمات الإنسانية للعنف القائم على النوع الاجتماعي.
في المغرب، لا تختلف الأرقام كثيرا عن الاتجاهات العالمية التي تشير إلى أن العنف ضد النساء ما يزال يتخذ طابع الأزمة المتزايدة. وتفيد أرقام المندوبية السامية للتخطيط، ضمن آخر دراساتها حول أوضاع المرأة المغربية والتي تعود إلى سنة 2023، أن العنف يطال النساء في جميع الفضاءات بنسبة 56.5%.، وتظل نسبة العنف المنزلي مرتفعة بنسبة 52.1%، مقارنة مع فضاء الدراسة والتكوين 19%، وفضاء العمل 15.4%، وفي الفضاء العام 12.6%.
وعرفت أشكال العنف تطورا خطيرا حيث ارتفعت نسبة العنف الجنسي مقارنة مع الماضي. وظهرت خلال السنوات الأخيرة كذلك أشكال جديدة من العنف على رأسها العنف الرقمي الذي بات يمثل، حسب نفس المصدر، 19% من مجموع أشكال العنف ضد النساء في المغرب، حيث يصل عدد ضحاياه إلى أزيد من 1.5 مليون امرأة مغربية تم إيذاؤهن بواسطة الرسائل الإلكترونية أو المكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية.
وتشير أرقام المندوبية كذلك إلى ارتفاع المس بالحرية للفردية للنساء إلى 34.6%، والعنف النفسي (49.1%)، والجسدي(13.3%)، والاقتصادي(15.1%).
تحديات مستمرة
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لمكافحة العنف ضد المرأة ببلادنا، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجهنا كمجتمع، مسؤولين وأفرادا. ومن بين هذه التحديات، تعزيز المنظومة القانونية بسد الثغرات التي تحد من فعالية النصوص التشريعية وعلى رأسها قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء. وقد أفضت جهود المجتمع المدني المعني بالدفاع عن الحقوق الإنسانية للنساء إلى إجماع، على مستوى المؤسسة التشريعية، في أكتوبر الماضي، على ضرورة مراجعة هذا القانون وإصدار قانون شامل يضمن الوقاية والحماية والتكفل بالنساء ضحايا العنف.
وتعد مسألة إرساء وتفعيل الآليات الكفيلة بضمان نجاعة جهود مكافحة العنف ضد النساء، بوابة أساسية أخرى، كتحسين أداء الأجهزة الأمنية والقضائية في التعامل مع قضايا العنف ضد النساء، وتفعيل اللجان والخلايا المعنية بالحماية والتكفل والمحدثة على عدة مستويات، وكذا تقوية آليات وخدمات الدعم للنساء المعنفات والناجيات من العنف.
ولابد أيضا من التذكير بأهمية تغيير ثقافة التشجيع على العنف والصمت عليه النابع من الخوف من الوصم، وهو الأمر الذي يتطلب بدوره عملا كثيرا في مجالات عدة، منها وسائل التنشئة الاجتماعية على مستوى الأسرة والمدرسة، والإعلام وغيرها من أدوات ومجالات تعزيز القيم الإيجابية وتكريس ثقافة المساواة والكرامة لجميع وبين جميع فئات المجتمع.
من المؤكد اليوم أن هناك وعيا متزايدا بأن إنهاء العنف ضد النساء والفتيات يتطلب التزاما جماعيا من جميع الأطراف المعنية، وعملا دؤوبا بوتيرة منتظمة تواكب ارتفاع وتيرة وخطر الظاهرة على المجتمع وعلى الأجيال القادمة، ويلبي كذلك مطامح وضرورات تحقيق العدالة والمساواة للجميع، وهي أهداف لا يمكن أن تتحقق دون توفير الوقاية والحماية للنساء والفتيات من العنف وضمان حقوقهن وكرامتهن بشكل فعلي.
سميرة الشناوي