الدار البيضاء.. حركة سير مزدحمة وسط غضب بيضاوي

تعاني مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة، من مشكل الحركة المزدحمة للسير، كما يلاحظ ذلك على مستوى الشوارع والطرقات في مختلف المناطق التي تتوسع يوما بعد يوم. المشكل راجع بالأساس إلى أسباب متعددة من بينها، النهضة العمرانية المرتبطة بازدياد عدد ساكنة المدينة، هذا الازدياد الذي تغذيه الهجرة القروية الباحثة عن فرص الشغل. وأيضا التزايد المهول في عدد الناقلات والمركبات، وافتقار العاصمة الاقتصادية إلى بنية تحتية تساير التطور الذي بقي خارجا عن أية رؤية مستقبلية أواستراتيجية مواكبة والتي كان على مدبري الشأن العام البيضاوي الأخذ بها. لقد بات هذا المشكل يؤرق بال مستعملي الطريق من أصحاب السيارات ووسائل النقل العمومي الذين يستشيطون غضبا من كثرة الاكتظاظ في حركة السير والجولان بمدينة الدار البيضاء.

زحمة السير..

تشكو ساكنة مدينة الدار البيضاء البالغ مجموع ساكنتها 4 ملايين نسمة، حسب إحصاء سنة 2014، من مشكل الازدحام في حركة السير والجولان داخل شوارع المدينة الاقتصادية ليس فقط في فترة الذروة، بل على طول اليوم بدءا من الساعات الأولى من الصباح إلى الساعة التاسعة مساء.
وبات مشكل تنقل الأشخاص داخل المدينة شبه مستحيل في ظل التزايد المهول في عدد السيارات المتواجدة على تراب ولاية الدار البيضاء الكبرى، حيث يقترب عدد السيارات والشاحنات والحافلات التي تجوب يوميا شوارع الدار البيضاء من رقم المليون الذي يشكل ربع سكان العاصمة الاقتصادية للمملكة، وأكثر من نصف مليون منها تتحرك في أوقات الذروة فقط.
وتجعل هذه الزحمة التي تشهدها مدينة الدار البيضاء كل يوم مشكل الوصول في الوقت المحدد شيئا مستحيلا لدى مستعملي الطريق باختلاف وجهاتهم وأغراضهم التي ينوون قضاءها.
وبخصوص بعض أسباب الاكتظاظ في حركة السير والجولان، يمكن أن ندرج بالدرجة الأساس مشكل الانفجار الديموغرافي المواكب للزحف العمراني الذي عرفته مدينة الدار البيضاء خلال الأعوام الأخيرة، إضافة إلى التزايد الكبير في عدد السيارات داخل المدار الحضري، حيث تجد في بعض الأحيان أن أسرة واحدة متكونة من 7 أشخاص يمتلكون في بعض الأحيان سيارتين.
علاوة على هذا، يمكن أن نشير إلى القروض التي باتت تعرضها البنوك على الراغبين في اقتناء سيارات خاصة، إضافة إلى مشكل الطرقات الضيقة التي باتت لا تلبي حاجيات المواطن البيضاوي.
ولم تعد هذه الظاهرة حكرا على وسط المدينة فقط، بل تعدتها لتشمل باقي الأحياء الأخرى التي تشهد بدورها انفجارا ديموغرافيا مثل أحياء سيدي البرنوصي، الحي المحمدي، سيدي عثمان، سيدي معروف، سيدي مومن…
ويتطلب التنقل عبر سيارة الأجرة أو السيارة الخاصة أو حافلة النقل الحضري، من أحد أحياء الدار البيضاء إلى وسط المدينة، زمنا مضاعفا عن التوقيت العادي الذي تقطعه وسيلة النقل خلال الأوقات العادية.
“بيان اليوم” ترصد الظاهرة

وفي هذا الصدد التقت “بيان اليوم” بمواطنين غاضبين ممتعضين من الوقت الذي يقطعونه من أجل الالتحاق بأماكن عملهم، نتيجة للاختناق في حركة السير على مستوى أهم الشوارع ذهابا وإيابا.
ووصف مستخدم بإحدى الشركات المتواجدة بوسط المدينة والذي يتنقل يوميا إلى مقر عمله بسيارته الخاصة، أن حركة المرور في الساعات الأولى من الصباح بالكارثية، مضيفا، أن الشخص إذا أراد الوصول في الوقت المحدد يتوجب عليه الذهاب باكرا قبل ساعة أو أكثر من أجل تفادي مشكل الازدحام في الطرقات.
وأشار ذات المستخدم في تصريحه لـ”بيان اليوم”، أن المشكل لا يرتبط فقط بالذهاب، وإنما يتكرر ذات السيناريو عند الإياب (العودة إلى المنزل)، إذ يفضل جل مستعملي وسائل النقل تفادي العودة في أوقات الخروج من العمل، وانتظار زوال الضغط الذي طالما يبتدئ من الساعة الرابعة عصرا.
وقال موظف بنكي يتنقل عبر سيارة أجرة من حي سباتة إلى بنك المغرب المتواجد بوسط المدينة، إن حركة المرور في أوقات الذروة تؤرق تفكير المواطن صباح – مساء، وتشغل باله إذ يضطر الطاكسي إلى التوقف أكثر من 10 دقائق في الإشارة الضوئية التي توجد قبل شارع المقاومة، الشيء الذي أكده آخر يقتني إحدى حافلات النقل العمومي من حي الأمل بدرب السلطان، حيث أن هاجسه الوحيد خلال تنقله اليومي هو مشكل الازدحام الذي يعيشه كل يوم ذهابا نحو مقر عمله وإيابا لمحل سكناه.
وأضاف شخص ثالث، يستعمل سيارته الخاصة في التنقل من حي المعاريف إلى المنطقة الصناعية بعين السبع، أن الاكتظاظ الذي يشهده شارع الزرقطوني يحول
المكان المذكور إلى فوضى عارمة، الشيء الذي يجعل أصحاب السيارات يبحثون عن طرق أخرى من أجل تفادي هذا المشكل الذي بات مطروحا كأولى تحديات المدينة الاقتصادية.
ومن جهته، أكد مواطن يضطر إلى التنقل عبر شارع الروداني عبر سيارته الخاصة، أن هذا الشارع لم يعد قادرا على تحمل العدد الكبير من السيارات الذي تعبره يوميا ذهابا وإيابا من أحياء شهدت توسعا عمرانيا، ونموا ديمغرافيا، ووسط الدار البيضاء، موضحا، أن هذا الشارع أنشيء لتحمل عبء سيارات قليلة، وحركة سير عادية لا المئات من السيارات والحافلات وسيارات الأجرة يوميا، مما يؤثر على حركة السير.
وحول هذا المشكل المطروح، أكد سائق سيارة أجرة كبيرة أن الوقت الذي بات يقطعه من المحطة المتواجدة بقرب ساحة واد المخازن إلى عين الشق – الإنارة أصبح مضاعفا مرتين، إذ يتطلب منه حسب قوله، 30 إلى 45 دقيقة من أجل نقل الركاب إلى منطقة عين الشق ومثلها من الوقت إيابا من ذات المحطة إلى ساحة واد المخازن، الشيء الذي يعقد من مسؤوليتنا في غالب الأحيان ويجعلنا عرضة للانتقادات من طرف بعض الركاب الذين يحملوننا السبب الرئيسي في وصولهم متأخرين.

“النقط السوداء” المرورية..

وعلى سبيل المثال، تشهد مدارات وشوارع الدار البيضاء حركة غير عادية على مدار اليوم، إذ يكتظ مدار الروداني مع شارع الزرقطوني، وكذا عند ملتقى طريق الجديدة وشارع بئر انزران، والأمر نفسه عند ملتقى شارعي الحسن الثاني والزرقطوني، وعبد المومن، وزنقة مصطفى المعاني، وباقي الأزقة المتفرعة عن هذا المدار.
ورغم توسيع زنقة خريبكة، مازالت ساحة دكار “شيمي كولور”،عند ملتقى طريق أولاد زيان، وشوارع المقاومة ولاجيروند وإميل زولا، عبد الله بن ياسين، تعيش اكتظاظا لكن بحدة أقل.
ويعرف الطريق السريع الذي يمر عبر مختلف أحياء المدينة الاقتصادية ازدحاما منقطع النظير نتيجة تفكير السائقين في استعماله بغية اختصار الوقت الزمني مقارنة بالطرق المتواجدة بوسط المدينة، لكن هذا المعطى يجعل من مستعملي هذا الطريق ينتظرون لدقائق مرصوصي الصفوف وسط احتقان وغضب كبيرين من هذا المشكل الذي بات هم كل مواطن بيضاوي.
جهود مجلس المدينة

وقد تبنى مجلس المدينة خلال السنوات الأخيرة تشييد أنفاق جديدة من أجل التخفيف من وطأة حركة السير التي باتت تعيش على إثرها مدينة الدار البيضاء يوميا، حيث قد تمت إقامة نفق دكار الذي يربط بين شارعي المقاومة وشارع الجيش الملكي السنة الماضية.
واتخذ مجلس مدينة الدار البيضاء فكرة بناء الممر تحت الأرضي بشارع الموحدين (2000 متر) والذي يهدف إلى بناء ممر تحت المدارات المؤدية إلى “مارينا الدار البيضاء” انطلاقا من شوارع  الموحدين وسيدي محمد بن عبد الله وزايد أوحماد، إضافة إلى إعادة بناء وتهيئ أرصفة وساحات و قارعة طرق الدار البيضاء بغية تحسين ظروف الجولان في المدينة.
وقد تم، في سنة 2012، تشييد مشروع ترامواي البيضاء الذي ساهم بشكل كبير في حل مشكل التنقل اليومي لكن على مستوى الخط الأول الذي يربط بين سيدي مومن وشاطئ عين الذياب وبين سيدي مومن والكليات، لكن يبقى المشكل الأساس  في الحل الأنسب من أجل تجاوز مشكل الاكتظاظ في مدينة مليونية كالدار البيضاء بالرغم من المجهودات التي تقوم بها سلطات المدينة للتخفيف من حدة الازدحام على الطرقات.

Related posts

*

*

Top