لا تزال معطيات الحالة الوبائية الوطنية تضع جهة الدار البيضاء سطات، وأساسا مدينة الدار البيضاء، في صدارة أرقام الرصد اليومي، وفِي الفترة الأخيرة باتت تزداد كل يوم بؤر وبائية إما في مناطق سكنية وجراء الاختلاط وسط المحيط العائلي وفِي الشارع، أو في المجال المهني والتجاري والصناعي، وهو ما نجم عنه اليوم وضع مقلق بالنسبة للعاصمة الاقتصادية للمملكة.
من المؤكد أن مظاهر التحلل من كل التزام بشأن البقاء داخل المنزل وعدم مغادرته إلا للضرورة القصوى، هي عديدة بمختلف أحياء الدار البيضاء، وخصوصا الشعبية وذات الاكتظاظ السكاني، وبالتالي فضعف هذا الالتزام الشعبي بالحجر الصحي ساهم في الرفع، فعلا، من عدد الإصابات المسجلة.
لكن، من جهة أخرى، إن تنامي أعداد البؤر الصناعية يكشف، في المقابل، على أن عددا من المقاولات والمصانع والوحدات الإنتاجية والصناعية لا تولي أي اهتمام للتدابير الاحترازية وشروط الوقاية، وسلطات الوصاية، بدورها، لم تكن تحركاتها قوية في البداية، ولم تشمل كل المقاولات، ومن ثم لم يتم التحديد الدقيق للقطاعات والمقاولات التي يمكن أن تستمر في العمل، وتلك التي يجب أن تتوقف فورا، ووقع نوع من الارتباك على صعيد ضبط النشاط الاقتصادي بالدار البيضاء، وهو ما أفضى اليوم، ضمن أسباب أخرى، إلى هذا الوضع الوبائي الباعث على الانشغال.
ليست الدار البيضاء مثل باقي مدن المملكة، فهي القلب الاقتصادي النابض للبلاد، وترتبط بحركيتها التجارية والمقاولاتية مختلف الأقاليم الأخرى، وآلاف الوحدات التجارية وغيرها، كما أن قطاعات متعددة مرتبطة بتحرك الدينامية الاقتصادية في الدار البيضاء.
ولكل هذا، كان يجب منذ البداية إيلاء أهمية استثنائية لمنظومة تتبع الوضع الوبائي والصحي والاقتصادي والعام في العاصمة الاقتصادية والمالية والتجارية للبلاد.
وعلى كل حال، فالحديث الجاري اليوم حول رفع الحجر الصحي مباشرة بعد عيد الفطر، وما ميزه من ارتباك وتناقض في التصريحات بين رئيس الحكومة ووزير الاقتصاد والمالية، توجد الدار البيضاء كذلك في عمق معادلته وهي معنية به أكثر من غيرها، وبالتالي يجب التحلي بدرجة عالية من الرصانة وبعد النظر والشمولية قبل الإقدام على أي خطوة بهذا الخصوص.
إن المؤشرات المصرح بها يوميا تبين أن الدار البيضاء صارت تعرف وجود أكثر من بؤرة وبائية في حي واحد، كما أن أحياء معروفة بكثافتها السكانية المهولة شهدت بروز بؤر وبائية داخلها، علاوة على انتشار ذلك نحو المحمدية وبرشيد، وإذا أضفنا إلى هذا تهور الناس في الأحياء الشعبية وإمعانهم في التواجد خارج منازلهم وعدم التقيد لا بعزلة ذاتية ولا هم يحزنون، فإن أي قرار يفتقر إلى الشمولية والتحري، قد يعيد الوضع إلى نقطة الصفر، مع العلم أن الحالة الوبائية بالدار البيضاء تستطيع أن تغير معطيات ومؤشرات الخريطة الوبائية الوطنية ككل.
ولكل ما سبق، يجب إذن الحرص أولا على توحيد الخطاب التواصلي الحكومي وضبط انسجامه، وأيضا لا بد من صياغة مخطط يخص الدار البيضاء ويستحضر خصوصيتها وأهميتها الاقتصادية وكثافة تعدادها السكاني وما تستقبله يوميا من زوار ومستخدمين ومتعاملين، ويبلور مراحل دقيقة وشروط متكاملة لرفع الحجر الصحي وعودة الحياة الاقتصادية والإدارية إلى طبيعتها الاعتيادية، ثم النزول إلى الميدان لتنفيذه، وكذلك لمراقبة الالتزام الشامل بالتدابير الاحترازية والشروط الوقائية داخل أماكن العمل ووسائل النقل ومختلف الفضاءات العمومية.
إذا تقرر فتح هذا الإغلاق على الدار البيضاء أو على الأقل التخفيف منه، فمعنى ذلك أن مهنا عديدة ومختلفة ستسعى، بدورها، لتعود لنشاطها، وأيضا المقاولات التي ستستأنف عملها سينتقل مستخدموها، بمن فيهم الذين يقيمون في مدن أخرى خارج الدار البيضاء، وسيتحرك، بالتالي، قطاع النقل وقطاعات وأنشطة أخرى بفضل هذه الحركية، كما أن عشرات الآلاف من التجار الصغار والمتوسطين الذين يتعاملون مع الدار البيضاء سيعودون من مختلف مناطق البلاد للتبضع والتزود بالسلع، وكل هذا يجعل رفع الحجر الصحي عن الدار البيضاء مختلفا عن رفعه في أقاليم أخرى، ويتطلب منظومة إجراءات شمولية، ويستحضر أساسا هذه الخصوصية، مع الحرص على تفادي الأخطاء الكارثية أو أيضا التلكؤ والانتظارية المبالغ فيها.
محتات الرقاص