تعيش الأسر المغربية هذه الأيام الدخول المدرسي لأبنائها، وتنهمك في معاناة حقيقية مع ارتفاع التكاليف ومع الأسئلة المتصلة بمستقبل فلذات كبدها، وهي معاناة تمثل محنة حقيقية للأسر، التي لم تتخلص بعد من تبعات مصاريف رمضان والعطلة والعيد، فضلا عن غلاء عدد من المواد الاستهلاكية في الأسواق في الفترة الأخيرة. القدرة الشرائية إذن ومستوى الدخل لدى أغلب الأسر، يعتبران من أسباب تخلف منظومتنا التعليمية، ويعيق سير البلاد نحو التعميم ومحاربة الهدر المدرسي، ومن ثم فإن هذه الرهانات التعليمية يجب أن تدرج ضمن مخططات التنمية الاجتماعية وبرامج الحد من الهشاشة والفقر.
وعند الوصول إلى المؤسسة التعليمية، فان أسئلة أخرى تطفو على السطح مثل: وضعية البناية نفسها ومستوى التجهيزات بداخلها، ومدى توفر شروط السلامة والراحة فيها، ثم النقص في عدد المدرسين، خصوصا على مستوى الإعدادي والثانوي، والاكتظاظ داخل الأقسام…
وهذه السنة كذلك تعود من جديد إلى الواجهة الأسئلة الكبرى المرتبطة بنظامنا التربوي، وبمدرستنا العمومية بالخصوص، حيث أن هذه الأخيرة هي المجال الطبيعي لإعمال مبدإ تكافؤ الفرص بين المغاربة ولتطبيق المساواة تجاه حق كل المغاربة والمغربيات في تعليم عمومي جيد ومنتج.
وهنا، وبالرغم من كل الجهود والإنجازات التي بذلتها الدولة منذ الاستقلال، وأيضا خلال العقد الأخير، فإن عدم نجاحنا جميعا في التعميم وفي تكريس تكافؤ الفرص على صعيد التمدرس يمثل واحدا من عناوين الفشل.
من جهة ثانية، فإن مسألة الجودة تعتبر عنوانا مركزيا ثانيا للفشل، ومن تجليات ذلك ما أصبح معتادا في وسط الرباط من اعتصامات واحتجاجات للخريجين العاطلين الذين لم يمكنهم تكوينهم من الاندماج في سوق الشغل، كما أن هجر العديد من الأسر للتعليم العمومي، حتى أن مدارس كاملة صارت بمثابة بنايات فارغة ومهجورة خصوصا في المدن الكبرى، يعتبر أيضا من تجليات غياب الجودة في منظومتنا التربوية الوطنية.
تعليمنا اليوم يواجه أسئلة حقيقية لم يعد مسموحا مواصلة التأخر والتردد في إيجاد أجوبة جذرية بخصوصها، وهي مرتبطة بالمدرسين، وبواقع المؤسسات التعليمية وأشكال تدبيرها، وبالمقررات وبسياسة الكتاب المدرسي، وبمضامين العرض التعليمي، وبمستوى تكامل التكوين مع سوق الشغل…
إن تطور مجتمعنا وتحولات محيطنا العالمي جعل حاجيات شعبنا من التربية والتعليم تشهد أيضا أشكالا ومطالب جديدة، ما يوجب اليوم رؤية وطنية متجددة لسياسة التعليم ولمستقبله، ولدوره في تكوين المواطن المغربي وإنماء وعيه ومستواه المعرفي، وجعل بلادنا تخوض بثقة واستعداد مختلف تحدياتها التنموية والديمقراطية والتحديثية والاستراتيجية.