الذكاء العاطفي .. والذكاء الاجتماعي

الذكاء العاطفي هو من المصطلحات الحديثة، ويعرف بأنه مقدرة الشخص على إدارة عواطفه والتحكم فيها وانتقاء الأفضل منها والتي تتناسب مع المواقف التي يتعرض لها الإنسان. من أشهر الأشخاص الذين ارتبط اسمهم بهذا المصطلح هو “دانيال كولمان” الذي عرف الذكاء العاطفي بأنه قدرة الشخص على معرفة عواطفه معرفة تامة، وقدرته أيضا على معرفة عواطف الآخرين، بحيث يستطيع هذا الشخص التعامل مع نفسه أولا ومع الآخرين عن طريق التنقل بين عواطفه هذه والتعبير عن انفعالاته بما بتناسب مع الموقف والحالة التي يتواجد فيها وتُفرض عليه.
يعتقد البعض أن الذكاء العاطفي هو أساس النجاح في الحياة، فقد فصلوا الذكاء العادي والذي يقاس بما يعرف باختبارات الذكاء (IQ) عن الذكاء العاطفي، فمن يعانون من اضطرابات عاطفية قد يكونون أصحاب عقليات جبارة ومستويات ذكاء عالية إلَا أنهم لا يستطيعون التفاعل مع الآخرين ولا يعرفون مشاعرهم، وكيفية التنقل بينها وإدارة المواقف والأزمات التي قد يمرون بها. ومن هذا نستنتج أن الذكاء العاطفي هو الطريق للوصول إلى الأهداف والغايات وتحديدا المناصب القيادية التي تتطلب تفاعلا وتعاملا مع عدد كبير من الناس.
من أبرز الصفات التي تطغى على أولئك الأشخاص الذين يتمتعون بدرجة عالية من الذكاء العاطفي هي قدرتهم على تفهم أوضاع الآخرين وأحوالهم والتعاطف معهم عند وقوعهم في المآزق أو عندما تحل عليهم المصائب، إضافة إلى قدرتهم على تكوين الصداقات المتعددة والإبقاء عليها، كما أنهم يمتازون بالمقدرة على فض النزاعات والخلافات التي تحصل بينهم وبين الآخرين بسهولة أو تلك التي تحدث بين الأشخاص الآخرين أنفسهم، وهم أيضا قادرون على التعبير عما يختلجهم من مشاعر حتى وإن كانت مشاعر مختلطة، ومما يميزهم أيضا مقدرتهم على مواجهة المشاكل بثقة عالية، والتكيف مع كافة المواقف الاجتماعية التي يتعاملون بها، وأخيرا فإن الأشخاص الذين يتمتعون بالذكاء العاطفي هم ميالون بالغالب إلى الاستقلالية بالرأي ومحاولة فهم الأمور.
ينبثق من الذكاء العاطفي ما يعرف بالذكاء الاجتماعي، فالذكاء الاجتماعي هو قدرة الشخص على إدارة علاقته مع الآخرين، وذلك عن طريق فهم أو وضع الشخص نفسه مكان من الشخص الذي أمامه أو الذي يتعامل معه أو الذي يحاول حل مشكلته في موقفه الذي تعرض له، حتى يمتلك القدرة على تقدير عواطفه وانفعالاته التي انتابته في ذلك الموقف.
يجدر الإنتباه إلى أن لغة الجسد والحركات التي قد تبدر من الأشخاص أثناء حديثهم مع الآخرين هي من أهم العوامل التي تؤدي إلى زيادة التقرب من الآخرين والتأثير فيهم، وبالتالي زيادة محصلة الذكاء العاطفي لدى الشخص.
الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، لا يستطيع العيش منفردا على هذه البسيطة، وحتى لو قرر ذلك فلا مفر له من الاحتكاك بالآخرين على الأقل لقضاء حاجاته الأساسية، المأكل والمشرب والعمل والسكن… إلخ. لكن هذا كله لن يكفل له التميز عن باقي المخلوقات، إذ أننا نجد أن هناك كائنات أخرى عديدة لا تستطيع العيش إلا في جماعات، ولا تستطيع الاعتماد على نفسها في كل شئ، لذا كان لزاما على الانسان التميز في اجتماعيته.
والذكاء الاجتماعي هو مقدرة الإنسان على إدارة علاقاته مع الآخرين وتطويعها لصالحه وصالحهم، ولا تتأتى هذه القدرة إلا عن طريق القدرة على فهم الأشخاص بأجناسهم وتقدير مشاعرهم.
ونجد أن من أفضل الطرق التي تؤدي إلى الوصول إلى كسب أكبر عدد من الناس، هو بتمثل ما ينتابهم من مشاعر وتقدير ما يدور في رأسهم من أفكار، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف المحيطة التي منحتهم هذه الشخصيات.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال ووصف الذكاء الاجتماعي بأنه العملية البسيطة المكتسبة، بل على العكس تماما فإنها عملية مرهقة متعبة تحتاج لضبط النفس والهدوء، والمجاملة والمحادثات التي قد تكون مطولة والثناء.
ينظر بعض الناس للذكاء الاجتماعي على أنه سلاح ذو حدين، فالبعض يرى فيه وسيلة لكسب الأشخاص وتحبيبهم فيه، إذ إنه يتجنب الاصطدام بالآخرين وتذكيرهم بما يكرهون، بينما يرى البعض الاخر أنه وسيلة للوصول الى المآرب وتحقيق الغايات وخصوصا المادية والوظيفية، فهم يصفونه بالتملق.
ويجب التفريق بين الذكاء والذكاء الاجتماعي، فالذكاء يعطي صاحبه القدرة على فهم محيطه وقوانين الكون ولكن الذكي ليس بالضرورة أن يكون ذكيا اجتماعيا، إذ قد تجده منعزلا لا يحب الاختلاط، فظا مستهترا بالآخرين وبمشاعرهم، لا يقدر من حوله ولا يستطيع التعامل معهم.
ولا يمكن أحيانا التفريق بين الذكاء الاجتماعي والذكاء العاطفي، حتى دفع البعض إلى تعريف الذكاء الاجتماعي على أنه جزء من الذكاء العاطفي، فالذكاء العاطفي ببساطة هو قدرة الشخص على التحكم في انفعالاته والتحكم في عواطفه بتأجيلها وكبتها ليستطيع تجاوز محنة أو موقف ما وضعته الظروف فيه، مع معرفة عواطف الاخرين وهذا هو مكمن التشابة بين النوعين.
والذكي اجتماعيا أو عاطفيا يمتاز بالثقة العالية في نفسه، ومحبته للآخرين ومحبة الآخرين له، لذا فهو بالتأكيد يستطيع تحقيق أهدافه و طموحاته وسلب تفكير الاخرين هذا بالإضافة إلى كونه شخص أمين وصادق يمتلك القدرة على الاعتراف بخطئه والاعتذار عنه. لذا لا بد من زيادة التركيز على هذه المهارة عن طريق منحها مزيدا من الوقت في التربية وكذا في تلقين المهارات على أيدي المختصين.

Related posts

Top