السقوط ودرسه

لم يستطع حسني مبارك البقاء طويلا في وضعية التأرجح، فعانق …السقوط.
سواء كان ما جرى تنحيا وتخليا أو مجرد نقل للسلطات، وسواء رحل مبارك عن مصر، أو بقي في شرم الشيخ، فإن الشعب المصري لم يهتم منذ البداية  كثيرا للتسميات ولفهم فقهاء القانون والسياسة، واختار الإعلان بأن «الشعب أسقط النظام»، ولم يهتم أيضا بحضر التجول ونزل للشارع يعلن نصره، وانهزام النظام.
مصر اليوم في العناوين، مصر تصنع الحدث.
سقوط النظام في مصر، اهتزت له المنطقة والعالم، وأجبر الرئيس الأمريكي مثلا على استعادة فصاحته اللغوية، وقدراته الخطابية، وتذكر غاندي وسقوط جدار برلين، كما أن أنظار الشعوب والحكام عبر العالم توجهت نحو مصر، وخصوصا نحو مرحلتها القادمة.
لقد صار لثورة تونس امتدادها المشرقي، وعانق الفل الياسمين، ووجه الشعبان درسا للكل.
الشباب في مصر، كما في تونس، فاجأووا الجميع، بالمبادرة إلى الفعل أولا، وبالنزول الحاشد للساحات والميادين، وبالإصرار على الصمود والتحدي، ثم بجر وتعبئة باقي فئات الشعب إلى جانبهم، وأيضا رفع سقف المطالب، والتحرر من كل حساب، ومن…الخوف.
في مصر لم يكن سوى الجيش ليلتقط إشارة الشباب الثائر ودرسه، وها هو يتولى المرحلة.
بحثنا عن أحزاب مصر، بحثنا عن نقابات مصر، وكانت أهمها تحاول أن تخرج الرأس لتطل على الناس، وبدت منهكة، ومثقلة بآثار مختلف الضربات، ومن خلالها بدت مصر بكل عمقها التاريخي والحضاري والمعرفي يتيمة من أحزابها ومن رموزها، وكان المشهد حزينا فعلا.
الدرس هنا لا يحيل فقط على أهمية حماية التعددية السياسية، وامتلاك أحزاب قوية ومستقلة تؤطر المجتمع، وإن مرحلة حزب السلطة  دارت على نفسها، وأعلنت في مصر انتحارها، إنما الدرس يتوجه كذلك إلى أحزابنا، وإلى مفكرينا، ويدعوهم إلى التأمل في طبيعة الفئات الاجتماعية التي صنعت الثورة في مصر، وأيضا في تونس، بالإضافة إلى مسلسل ودينامية صناعة الثورة.
لم تبرز في مصر وفي تونس الحاجة إلى حزب ثوري، أو إلى طليعة، ولم يكن العمال لا  في بداية الفعل ولا في قيادته، إنما برزت فئات جديدة، ولم ترفع شعارات قومية أو أممية، إنما المطلب تركز في الداخل الوطني، وفي النهاية أعطيت للحظة من البداية معاني واضحة يلخصها شعار وحيد، وبسيط الصياغة، وييسر التعبئة بسرعة.
إن ما شهدته مصر وتونس يمثل درسا حقيقيا للكل، ولحظة تاريخية فارقة، خصوصا إذا نجح الشعبان في استعادة الهدوء والاستقرار في البلدين، وتمكنا من وضع ميكانيزمات نظام مدني ديمقراطي بديل، وكرسا حياة كريمة وآمنة للناس.
في مصر، هذا هو التحدي اليوم.

[email protected]

Top