سيقترن يناير 2011، لدى أجيال اليوم والأجيال المقبلة من العرب بالاستفتاء الذي جرى أول أمس الأحد في السودان حول تقرير مصير جنوبه، أي الانفصال وإعلان إنشاء دولة جديدة. ولقد كان لافتا من خلال المتابعات الإعلامية العربية والعالمية للاستفتاء، أن الغالبية لم تكن تتحدث إلا عن الانفصال كمؤدى وحيد للاقتراع، ما جعل تصويت يوم الأحد كما لو أنه شبه محسوم لصالح تأسيس دولة جديدة جنوب السودان.
عندما نستحضر تاريخ السودان وشعبه، ونستحضر مقدراته الطبيعية والجغرافية، ونستحضر، في قوى اليسار العربي بالخصوص، ريادة تقدمييه وشيوعييه طيلة عقود، ووزن مثقفيه، يحق لنا السؤال عمن أوصل هذا البلد وأهله الطيبين إلى هذا المآل…
إن النظام الحالي في الخرطوم، وسابقيه إن من ذوي اللحي أو من ذوي البزات العسكرية، هم جميعهم يجب أن يتمعنوا في النتيجة، ففشل تدبير التعددية، وغياب الديمقراطية والمساواة وتكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروة والعدالة الاجتماعية، هي العناوين التي تحيل على المسار الذي قاد إلى نتيجة اليوم.
وإن العرب الذين يذرفون اليوم الدموع عن تمزق السودان، ويعيدون لوك شعارات القرن الماضي، عليهم، دولا وجماعات وهيئات سياسية، مساءلة أنفسهم عما قدموه عبر التاريخ لجنوبيي السودان حتى لا يفرون من الشمال، وعما إذا سبق لهم مرة أن أبدوا تفهما لمطالب الجنوبيين أو تضامنوا معهم، وبالتالي ساهموا في أن يتفادى السودان التقهقر نحو القطيعة والتمزق الداخليين.
إن ما جرى للسودان يقدم درسا لكل هؤلاء، وينبه العرب إلى أن التغيرات والتوترات الجارية في عدد من بلدانهم تستدعي التحرك بغاية تكريس الاستقرار والسلم والأمن في اليمن مثلا وأيضا في العراق، وفي لبنان وحتى في مصر.
ومن جهة ثانية ، فان إقامة دولة جنوب السودان، بقدر ما سيحمل تحديات جوهرية لزعماء جوبا الجدد أنفسهم، فإن تحديات مماثلة ستطرح كذلك على نظام الخرطوم، وعليه أن يواجهها اعتمادا على توافق وطني ديمقراطي داخلي في الشمال.
وبالإضافة إلى الداخل السوداني، فإن بلدا جارا مثل مصر سيكون بدوره معنيا، وستثار قضايا مثل مياه النيل وتوزيع الحصص، ومتطلبات الأمن القومي المصري، كما أن الاهتمام الإسرائيلي لن يكون بعيدا من هنا، وهذه قضايا سترافق مرحلة مابعد الإعلان عن نتيجة الاستفتاء.
لقد أقيم استفتاء السودان من أجل الانفصال، في حين الزمن يقوم اليوم على تقوية التكتلات، والأمر في النهاية لا يخلو من تناقض ساخر، خصوصا عندما يكون التكتل والانفصال معا من تشجيع الدول الكبرى، وعلى مرأى ومسمع العالم برمته.