تصاعد الحديث في بعض الدوائر المعنية بالصراع الحالي في السودان حول ضرورة التدخل الدولي، وبدأ شبحه يطل برأسه من جديد على أمل أن يتكفل بردع الجيش وقوات الدعم السريع وحضهما على وقف الحرب بعد أن دخلت شهرها الثالث، وأخفقت مبادرات متعددة في التوصل إلى تهدئة تمهد لوقف دائم لإطلاق النار.
وكرر نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الانتقالي مالك عقار خلال زيارته إلى موسكو أخيرا رفض التدخل الدولي، بما يوحي بالخطر على فريقه والإيحاء بأن النصر قريب، قائلا “إن أيّ مبادرة لنشر قوات في السودان نعتبرها مبادرة احتلالية”.
ولم تعلن صراحة قوات الدعم السريع موقفها من طرح الفكرة أو دراستها، لكنها تبدي مرونة ظاهرة فيما يتعلق بالرغبة العامة في التهدئة والتجاوب مع المبادرات الإقليمية والدولية الهادفة لوقف إطلاق النار والعودة إلى العملية السياسية.
واستبعدت قوى محلية مسألة التدخل الدولي وإرسال قوات حفظ سلام عندما كان هناك اعتقاد بوقف الحرب سريعا أو نجاح أحد الطرفين في حسمها خلال فترة وجيزة.
ولذلك لم تطرح على الطاولة عملية التدخل بالقوة العسكرية لحفظ السلام عبر آلية الأمم المتحدة، اعتمادا على قوات أفريقية كبيرة على غرار القوة الأممية – الأفريقية التي تشكلت في دارفور باسم “يوناميد” وانتهت مهمتها قبل نحو ثلاثة أعوام.
وتشهد دارفور بالتوازي مع الخرطوم صراعا ضاريا بين الجيش وقوات الدعم السريع، أعاد إلى الأذهان الانتهاكات التي ارتكبت والمذابح التي وقعت وأثارت غضب الرأي العام الدولي خلال عهد الرئيس السابق عمر حسن البشير، وتصاعدت حدة المخاوف من عودة الحرب إلى عهدها السابق في ظل توترات قد تصعب السيطرة عليها.
ويتسم تعامل المجتمع الدولي مع الحرب في السودان بقدر كبير من الارتباك والتناقض وعدم الاستعداد للتدخل مباشرة وتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية، وهو ما سمح للطرفين المتصارعين بزيادة وتيرة المعارك أملا في كسبها أو تثبيت أمر واقع يعمل لصالح أحدهما.
وأخفقت العقوبات الاقتصادية الأميركية وتقييد تأشيرات بعض الشخصيات السودانية في حث قيادة الجيش أو قوات الدعم السريع على الالتزام بالتهدئة فترة طويلة، وبدا الموقف الأميركي غير جاد بصورة كبيرة على حض الطرفين لوقف الحرب فورا، خاصة أن الإجراءات التي اتخذت تقليدية وغير مؤثرة وسبق أن تعايش معها السودان.
كما أن القوى الدولية الأخرى التي اتبعت الحياد أو تظاهرت به في الحرب لم تبد تجاوبا في اتخاذ إجراءات حاسمة من خلال مجلس الأمن للضغط على الجيش وقوات الدعم السريع، وتركت الأمر لاجتهادات فردية وإقليمية ودولية عبر قنوات جانبية، كانت نتيجتها أنها نكأت حساسيات بين بعض الدول ولم يستفد منها السودان.
وأكد المحلل السياسي السوداني عادل حمد أنه لا يرجح التدخل الدولي بسبب التباين الحاصل في المواقف الإقليمية والدولية، ولا يستبعده أيضا في ظل استمرار الحرب واقترابها من اكتمال شهرها الثالث وعدم قدرة أيّ طرف على حسمها لصالحه.
وأوضح أن تدهور الأوضاع الأمنية ووصول الأمور إلى درجة عالية من الانفلات ووقوع تصرفات حمقاء يمكن أن يستنفر المجتمع الدولي ويدفعه إلى ضرورة إرسال قوات لوقف المأساة التي يدفع ضريبتها المواطن السوداني.
وأشار إلى أن الحرب طالت أكثر مما يجب الآن، بما أزعج قوى عديدة في الداخل والخارج، باتت تجد نفسها في مواقف حرجة وبين فكي رحا القبول بالقوات الدولية أو رفضها، خوفا من النتائج التي يمكن أن تتمخض عن الصراع لجهة حدوث تدخل أو انتصار أحد الطرفين، ما يجعل الصورة ملبدة بالغيوم، ويصعّب على المجتمع الدولي الالتفاف حول رؤية تقود للتوصل إلى آلية خشنة أو سياسية للتعامل مع السودان.
وتسبب جمود الوساطة الأميركية – السعودية والتحديات التي تواجهها التحركات الأفريقية عبر منظمة الإيغاد في منح الفرصة لاجتهادات متباينة تطالب بالتدخل الدولي سريعا في السودان، لأن غياب العملية السياسية وغموض مصيرها يدفعان كل طرف نحو المزيد من تكديس المعدات العسكرية التي تمد الحرب بوقود جديد.
وتنتظر قوى سياسية تحركا دوليا عاجلا يوقف المعارك التي كبدت الشعب السوداني خسائر باهظة، وترى أن استمرار الغياب يكرس الوضع الراهن، ويحوله من حالة مؤقتة إلى دائمة أو شبه دائمة، يمكن أن تنتقل تداعياتها بسهولة إلى أقاليم متعددة.
وبعد أن عاد الصراع إلى دارفور ظهرت ملامح اشتباكات في جنوب كردفان مؤخرا بين قوات الجيش والحركة الشعبية لتحرير السودان، جناح عبدالعزيز الحلو، وتنامت المخاوف من توسيع نطاق الصراع وفتح المجال لفوضى تعم أقاليم سودانية عدة.
ويقول مراقبون إن شبح التدخل الدولي سيظل مسلطا على رقبة السودان بسبب التجربة السابقة في دارفور، والتي لم تتوقف فيها الحرب إلا بعد وصول قوات أممية إلى الإقليم، فالمجتمع الدولي من الصعوبة أن يرى صراعا ينخر بلدا ويظل صامتا فترة طويلة، لاسيما أن الأدوات السياسية البديلة غير منتجة حتى الآن.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن تعقيدات الحالة السودانية تجعل التدخل الدولي عملية ليست هينة، لأن الحرب مشتعلة في الخرطوم وانتقلت شراراتها إلى أقاليم أخرى فيها بدورها تركيبة اجتماعية صراعية، ما يجعل وصول أيّ قوات لحفظ الأمن والسلام يتطلب جهودا مضنية وتكاتفا كبيرا لا يقارن بما جرى سابقا في دارفور، والتي كانت القوات الأفريقية قاعدته الرئيسية في”يوناميد”.
وإذا كانت استعدادات قوى دولية مختلفة محدودة للتجاوب مع التدخل الخشن، فإنها سوف تضطر إلى التخلي عن تحفظاتها عندما ترى كثافة في الانتهاكات التي يرتكبها الطرفان، وإسرافا في التقتيل الجماعي، ووقتها يصبح التدخل أمرا محتوما، ويتم البحث عن الصيغة المناسبة للسودان، فالمسافات المتباعدة بين الطرفين المتصارعين لم توجد فرصة للتسوية المرنة.