السياسة والثقة

أضحى الحديث اليوم عن إشكالية السياسة ومدى ثقة المجتمع في فاعليها إحدى أهم الإشكاليات التي تستأثر باهتمام الرأي العام العالمي والوطني بالنظر إلى العديد من الاعتبارات يمكن إجمالها فيما يلي:

الاعتبار الأول: هو طغيان الشعبوية وهيمنة الأحزاب اليمينية المتطرفة وتراجع الأحزاب السياسية ذات البرامج التي تحمل في طياتها مشاريع مجتمعية تنموية وديمقراطية.

الاعتبار الثاني: أنه في زمن كورونا هيمنة الثقافة الدولتية ذات القرارات السياسية التسلطية في العديد من الدول وتراجع التسييس وأصبحت اللامبالاة والممانعة هي الفكر السائد عبر العالم.

الاعتبار الثالث: هيمنة الفكر الأحادي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية الذي يستقي مخططاته من الجماعات الصهيونية الضاغطة والتي أصبحت تضغط بقراراتها الاقتصادية والسياسية على العديد من الدول بل وتصنع مشهدها السياسي كل هذا سحب ثقة المواطنين في السياسة.

الاعتبار الرابع: مساهمة عولمة العولمة في انتشار نظام التفاهة وتراجع أدوار الدول وفاعليها السياسيين وتسطيح المجتمعات ساهم في ظهور أغلبيات صامتة لا تؤمن بالمشاريع المجتمعية للأحزاب السياسية بقدر ما تتبنى الفكر العولمي الاستهلاكي.

كل هاته الاعتبارات ساهمت في تراجع ثقة المواطنين في السياسة وتختلف نسب الثقة حسب اختلاف الأنظمة السياسية والفعل السياسي من بلد إلى آخر الوضع في البلدان المتقدمة ليس كما هو عليه الحال في الدول العالم الثالث.

وقد أكد المفكر الموسوعي يورغن هابرماس أن إنتاج عقلانية بديلة للعقلانية الأداتية وللأنشطة التقنوية عقلانية كفيلة بتطوير المجتمع دون إخضاعه لقوانين السوق حيث المنطق السائد هو منطق الربح والفعالية والإنتاجية والرغبة في كل مجالات الحياة وفي إرادة السيطرة والتحكم.

ومن الضروري أن تحظى فلسفة الوعي أو فلسفة الذات التي سيطرت على الفكر الغربي منذ ديكارت والانتقال إلى فلسفة الانفتاح والتواصل والتفاعل داخل الفضاء العمومي المشترك بين الذوات، وقد أشار هابرماس إلى دور الفضاء العمومي مما يتضح معه البعد السياسي وهو البعد الحاضر في كتاباته المتأخرة حول الفلسفة السياسية، إذ تعتبر الديمقراطية بالنسبة له حلا لجميع مشاكل المجتمع المعاصر، من خلال ديمقراطية تشاورية قائمة على الحوار العقلاني في فضاء عمومي خال من العنف والهيمنة والسيطرة(1).

إن الثقة السياسية تشير إلى تصورات المواطنين اتجاه المؤسسات والأحزاب السياسية، إن الحفاظ على الثقة لا يتأتى إلا من خلال الحفاظ على الموارد والقنوات التي تصلح علاقة الثقة المفقودة، هذه القنوات ومصادر بناء الثقة هي الأعمال الجماعية التطوعية والأنشطة التي تنشئ معارف قريبة وشبكات اجتماعية مثل الأسرة والجمعيات والمؤسسات..(2).

وتأتي أهمية الثقة في أنها تؤدي بالمجتمع للتجاوب والامتثال للقرارات العامة والاقتناع والعمل على تنفيذها، كما أنها تعزز المشاركة السياسية والتماسك الاجتماعي وعلى المدى البعيد فوجودها يبني شرعية مؤسسية قوية ويسهم في حل التحديات المجتمعية بشكل أكثر فعالية وهو ما يسمى بالثقة التعاقدية، وتبنى الثقة عبر الوفاء بالوعود، ويلعب المناخ السياسي دورا كبيرا في إشاعة التواصل الفعال، حيث أن الثقة تخفف التوتر وتساهم في تحقيق التنمية والرفع من مؤشر الرفاه الإنساني وحل المشاكل المجتمعية المعقدة.

لائحة المراجع والهوامش:

1- انظر مقال حسام حموم باحث في علم الاجتماع حول يورغن هابرماس النظرية السياسية وفق البراديغم التواصلي، مجلة الباحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد 13، العدد 1 /2022، ص 208.

2- انظر د. اماني البرت “الثقة في السياسات العامة”، مقال نشر بجريدة الأهرام، بتاريخ 25 مارس 2024، العدد 50148.

بقلم: عبد الواحد بلقصري

باحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة

Top