السينما المغربية: أفلام قصيرة تعاند العزلة

انتهى زمنٌ كان فيه إنتاج الأفلام القصيرة في المغرب “وسيلة” العبور إلى الفيلم الروائي الطويل فقط، أو الحصول على البطاقة المهنية.
اليوم، أضحى سينمائيون مغاربة عديدون، خصوصاً الشباب بينهم، يجدون في الفيلم القصير وسيلة للتعبير عن أسئلتهم والقضايا التي تشغلهم، وتشغل المجتمع. ولعلّ ارتفاع عدد المهرجانات السينمائية في المغرب، التي تخصِّص مسابقاتها للفيلم القصير وأشكاله المختلفة (تربوي، وثائقي، روائيّ، إلخ)، زاد من تحفيز العديدين إلى التوجه نحو الفيلم القصير.
يتذكّر كثيرون نهاية الألفية الماضية، إذ اكتشفوا، في إحدى دورات “مهرجان طنجة للفيلم”، جيلاً من السينمائيين المغاربة، بعضهم متخرّج من المعاهد الأجنبية، يُقدِّمون أفلامهم القصيرة للتعبير عن “ثيمات” جديدة، برؤى جمالية، وصياغات سينمائية مختلفة عن السائد حينها.
السينمائي نورالدين لخماري أحد هؤلاء الذين أعلنوا عن أنفسهم من خلال تجربة الفيلم القصير، قبل أن يتفرّغ، كلّياً، في السنوات الأخيرة، لابتكار الحدث بأفلامه الروائية الطويلة، كـ ” كازانيكرا” و”زيرو”.
الحصيلة السينمائية لـ “المركز السينمائي المغربي” لسنة 2015، تؤشّر على إنتاج 123 فيلماً قصيراً في العام المذكور (طبعاً، الرقم لا يمثّل حقيقة الوضع، بحكم أن أفلاماً قصيرة عديدة تُصَوّر خارج سياق نظام المركز)، ما يؤكّد مقولة “حركية” الإنتاج السينمائي الخاص بهذه الفئة من الأفلام. وتساهم المهرجانات السينمائية في المغرب في الاقتراب أكثر من سمات انشغالات هذه التجارب.
ولعلّ الكثير منها، سواء تلك التي حصدت جوائز في المغرب أو في العالمين العربي والغربي، تشير الى قدرة الفيلم القصير على التعبير عن بعض قضايا وانشغالات جيل من الشباب في مغرب اليوم. جيل انتقل من مجال التكوين أو الهواية إلى الكاميرا لمعالجة قضايا تبدو، أحياناً، “أكبر” من فيلم مدّته لا تتجاوز 12 دقيقة.
من بين القضايا والإشكالات التي تواجه الفيلم القصير في المغرب، مسألة التوزيع. فالمهرجانات تظلّ الفضاء المناسب، وربما الوحيد، لتسويق أفلام قصيرة لمجموعة من السينمائيين المغاربة.
ويشكل “مهرجان الفيلم المتوسطي بطنجة” إحدى المحطّات المهمة، التي تمكّن من الاقتراب من خريطة الأفلام القصيرة في المغرب، وتمثيل سماتها العامة. تُضاف إليها المراكز الثقافية الأجنبية في المغرب، وبعض القنوات التلفزيونية، لكن في مناسبات محدودة، وهي تخصص مواضيع محدّدة للفيلم القصير. إلا أن هذا الأخير يظلّ غائباً عن استراتيجيات التوزيع، وهو لا يغري وكالات القطاع، ليظلّ غريباً وسط دوامة نسيج “الصناعة السينمائية”.
لعلّ أحد رهانات الأفلام القصيرة اليوم، والسينما المغربية عموماً، يكمن في قدرة الصورة على تمثيل رهانات المجتمع، وسيرورته اليوم، على ضوء سؤال التحوّلات التي يشهدها العالم.
وكما في أفلامٍ قصيرة عديدة، تُعرض في المهرجانات، يظلّ الهاجس الاجتماعي مسيطراً على أفق أفلام كثيرة (“الراعية” لفاطمة أكلاز نموذجاً)، إلى جانب الهاجس الإنساني (“نداء ترانغ” لهشام الركراكي)، بينما تتّجه أفلام أخرى الى الانشغال بجماليات الصورة (“بيدق” للمهدي الإدريسي).
إن رهان الفيلم القصير في المغرب لا يتمثل، اليوم، في إيجاد منتجين فقط. فالمغرب شهد، في السنوات الأخيرة، حراكاً على هذا المستوى.
الرهان الحقيقي يظلّ كامناً في ضرورة “فكّ العزلة” عن الإنتاجات السينمائية هذه، خارج فضاءات وأروقة المهرجانات، من خلال العمل على فتح سوقين، داخلية وخارجية، تتمكّنان من إيصال هذا الكَمّ من الأفلام إلى المتفرّج.

عبدالحق ميفراني

Related posts

Top