الصورة الجديدة للمملكة

منح نجاح الاستفتاء الدستوري للمغرب نقاط قوة مهمة على الصعيد الإقليمي والعالمي، وتدل على ذلك التصريحات والمواقف والبيانات الصادرة عن العديد من قادة الدول والحكومات والمنظمات عبر العالم، بالإضافة إلى تعليقات وتغطيات وسائل الإعلام. ويبقى من الضروري اليوم استثمار هذه الصورة الإيجابية، ضمن خطة ديبلوماسية وسياسية وإعلامية محكمة تستحضر القادم من استحقاقات داخليا وخارجيا.
الإشادات الدولية باستحقاق فاتح يوليوز تعني كذلك أن المملكة ستكون تحت مراقبة ونظر العالم بمؤسساته الأممية وأيضا بمنظماته غير الحكومية ووسائله الإعلامية، وذلك على صعيد تطبيق المقتضيات الدستورية الجديدة، وتفعيل ما تبقى من إصلاحات، وكل تماطل أو تأخر أو فشل في ذلك سيوجه ضربة قوية للصورة الإيجابية المذكورة، وسيعيدنا إلى نقطة البداية.
ولكسب هذا الرهان، لابد من اعتبار نجاح الاستفتاء الدستوري بداية لمسلسل الإصلاح الشامل، وليس هدفا أو غاية، ومن ثم الشروع اليوم في الإصلاحات السياسية، والإعداد لانتخابات نزيهة بإمكانها إبراز نخب حزبية وكفاءات سياسية وطنية داخل المؤسسات.
وحتى يتحقق النجاح في هذا الاستحقاق، يتعين الإقدام على مزيد من تدابير الثقة في مجالات تأهيل الحياة السياسية ودعم تعددية الفضاء الحزبي الوطني، وأيضا في مجال التدبير الإداري للعمليات الانتخابية في المناطق، وأيضا على مستوى الإعلام العمومي وقطاع الصحافة بصفة عامة، وفي الحريات وحقوق الإنسان، علاوة على أهمية الإقدام على إجراءات ذات صلة بالأوضاع الاجتماعية لشعبنا، ومثل هذه الإجراءات هي التي بإمكانها أن تحدث الثقة، وتجعل شعبنا يتعبأ لحماية مكاسبه، ويدرك أن الإصلاحات الدستورية والسياسية لها انعكاسات مباشرة على واقعه اليومي.
من جهة ثانية، قد تكون حدثت بعض اختلالات هنا أو هناك بارتباط مع العملية الاستفتائية، لكنها ليست ذات أثر حاسم على النتيجة أو على سير العملية برمتها، وبالتالي فإن جعل هذه القضية اليوم في صدارة الشعارات السياسية لدى بعض الأصوات، لا يقود إلا إلى الدوران في حلقة مفرغة، ويبعد شعبنا عن استثمار الفرص لمراكمة المكتسبات الديمقراطية.
اليوم انتهى الاستفتاء، والدستور الجديد هو على كل حال أحسن بكثير من كل النصوص التي عرفتها البلاد، وهو أكثر ديمقراطية، ويفتح آفاق أرحب لتطوير حياتنا الديمقراطية، ويجب على كل الديمقراطيين اليوم تقوية التعبئة الداخلية لربح معارك التأويل والتفسير وإعمال النص، وهنا يأمل شعبنا ألا نصدم أيضا بتحالف غريب بين بعض المتياسرين ورموز الظلامية ضدا على الفهم الديمقراطي والحداثي لأحكام الدستور، كما أن الإصرار اليوم على المرابطة في الشارع بشكل أبدي، لا يصنع سياسة أو فكرة ولا يفتح أفقا لشعبنا.

[email protected]

Top