اختتمت السبت الماضي بالعاصمة الإيطالية روما أشغال اجتماع ممثلي 135 دولة طرف في اتفاقية التنوع البيولوجي، استعدادا لعقد قمة الأطراف للتنوع البيولوجي خريف هذه السنة بمدينة كيونمينغ الصينية، هذا الاجتماع الذي رفع من مستوى تطلعات المنظمين عبر تسطير خارطة طريق لكوكب الأرض من أهم أهدافها المساهمة في مكافحة ظاهرة التغير المناخي عبر حلول معتمدة بشكل أساسي على الطبيعة.
يأتي هذا الاجتماع الدولي المهم في وقت أصدر فيه خبراء التنوع البيولوجي التابعين للأمم المتحدة، تقريرا مخيفا عن حالة الكوكب برسم سنة 2019، أظهر تأثر الأرض والبحار من جراء النشاطات البشرية، فيما بات مليون نوع من الحيوانات مهددًا بالانقراض، منها الطيور التي تهاجر سنويا من الشمال إلى الجنوب والتي اختلطت عليها الأوراق وفضلت الاستقرار وعدم اتباع خيار الهجرة، لكون المناخ تغير وفصل الشتاء تأخر عن المجيء وتأخرت معه آمال جميع الكائنات الحية على الكوكب الأزرق.
وتؤكد مخرجات تقرير الأمم المتحدة الأخير حول التنوع البيولوجي والصادر في بداية هذه السنة، الدراسات التي تجرى على القطب الجنوبي، والتي أكدت فرضية تغير المناخ حيث تم تسجيل في شهر فبراير الماضي درجة حرارية تفوق 20.75 درجة مئوية متخطية بذلك عتبة العشرين درجة مئوية و لأول مرة منذ بداية تسجيل درجات الحرارة على كوكب الأرض.
يؤكد الباحث البرازيلي كارلوس شيفر : “تم تسجيل هذه الدرجة الحرارية يوم 9 فبراير 2020 و بالضبط في جزيرة سيمور والمعروفة باسم مارامبيو”، و أن هذه البيانات المأخوذة من عين المكان “غير صالحة لاتجاه تغير المناخ”، فحسب بل “إنها مجرد علامة على حدوث شيء مختلف في هذه المنطقة”.
و تعد جزيرة سيمور التي تضم قاعدة علمية أرجنتينية من بين الجزر الواقعة قبالة القطب الجنوبي، حيث يضيف العالم البرازيلي المتخصص في دراسة التربة الصقيعية، أن هذه الدراسة أجريت في إطار مشروع البحث العلمي الذي دام ما يزيد عن عشرين عاما، هذا المشروع الذي يهدف إلى دراسة تأثير تغير المناخ على التربة المجمدة بشكل دائم، ويصر العالم البرازيلي قائلا أنه: “لا يمكننا استخدام هذا لتوقع تغير المناخ في المستقبل.”
و كانت قد سجلت يوم السادس من الشهر الماضي درجة حرارة قياسية قدرها 18.3 درجة مئوية في قاعدة إسبيرانزا الأرجنتينية، حيث أعلى درجة حرارة مسجلة بهذه المحطة وصلت الى 17.5 درجة مئوية فقط و كانت بتاريخ 24 مارس 2015، وفقًا للأرصاد الجوية الوطنية الأرجنتينية.
و تأتي هذه الأرقام القياسية في درجات الحرارة بالقطب الجنوبي بعد عشر سنوات 2010-2019 قياسية، انتهت بعام 2019 الذي اعتبر كثاني سنة أكثر سخونة مسجلة على هذا الكوكب، و على ما يتبين أن العشرينيات بدأت تسير في نفس المنحى، حيث يؤكد ذلك شهر يناير الماضي الذي يعتبر شهر يناير الأكثر سخونة على الإطلاق على هذا الكوكب، قبل عام 2016، وفقًا للخدمة الأوروبية كوبرنيكوس بشأن تغير المناخ، الأمر الذي أكدته وكالة الغلاف الجوي والمحيطات الأمريكية.
وكانت وكالة الغلاف الجوي والمحيطات الأمريكية قد أصدرت في تقريرها الأخير أن يوم الخميس 13 فبراير 2020 كان قد بلغ متوسط درجة الحرارة على سطح الأرض أعلى درجة حرارية في التاريخ بـ1.14 درجة مئوية عن المتوسط في القرن العشرين، وهو أعلى معدل منذ بدء قياس دراجة الحرارة لكوكب الارض منذ عام 1880، هي أرقام قياسية تتحطم و للأسف تسير بكوكب الارض نحو مصير مجهول المعالم المستقبلية.
في جنوب فنلندا، عاشت الساكنة هذه السنة فصل شتاء دون ثلوج مرفوق بدرجة حرارة معتدلة بشكل خاص تم استبدال هذه مسابقة نحت الجليد السنوية بمسابقة نحت على الرمال.
في شهر فبراير الماضي، ساد جو غريب في العاصمة الفنلندية هلسنكي، حيث ظهرت البراعم على الأشجار، وسنتيمترات قليلة من الثلج المرئي يكسوها العشب الأخضر، و لا يزال بحر البلطيق الى يومنا هذا يعيش على الحالة السائلة حيث تغني الطيور طوال اليوم بأعلى حناجرها، غناء يخبئ في ثناياه ألام هذه الكائنات الجميلة، هذه الطيور أعلنت العصيان على هجرة الشمال وقررت تأجيل رحلة الشتاء والصيف، إلى ان تتحسن الأوضاع.
في فنلندا عادة ما تبدو الطبيعة مجمدة ونائمة في منتصف فصل الشتاء، والأرض مغطاة بطبقة سميكة من الثلج ويمكن للمرء بسهولة عبور المياه المجمدة سيرا على الأقدام أو على الجليد للوصول إلى الجزر المختلفة، وعلى العكس من ذلك تماما هذا العام بصفة استثنائية يمر جنوب فنلندا بشتاء معتدل للغاية هذه السنة، حيث بلغت درجات الحرارة شهر يناير الماضي حوالي 7 إلى 8 درجات أكثر دفئًا من المتوسطات الموسمية لدرجة أنه يمكن القول أن فصل الشتاء لم يبدأ بعد في فنلندا.
الباحث في المعهد الفنلندي للأرصاد الجوية إلونا لانج يؤكد على أنه بالرغم من وجود فصول شتاء معتدلة من قبل، إلا أن شهر يناير الماضي كان “استثنائيا” هذه السنة، وتبقى فنلندا تنتظر ما إذا كان شهر مارس الجاري سيؤكد هذا الأمر على اعتباره عادةً ما يكون باردًا ومثلجًا.
ولمدة ثلاثة أسابيع من شهر فبراير الماضي، تسبب الضغط المنخفض للغاية من الجنوب الغربي وغياب الهواء البارد من روسيا أو القطب الشمالي في ارتفاع درجات الحرارة هذه، حيث لا يمكن تفسير فصل الشتاء المعتدل من خلال الاحترار العالمي وحده، ولكن يمكن تأسيس الارتباط به : “وفقًا لنماذج مناخنا، فإن هذا النوع من الشتاء الممطر والأسود سيكون نادرًا، مع زيادة في درجات الحرارة بــــــــــــــــــ 4 أو 5 درجات بحلول عام 2100 في جنوب وشرق فنلندا”، يفسر إيلونا لانج.
ولوحظ غياب فصل الشتاء في جميع أنحاء جنوب اسكندنافيا و على العكس من ذلك في أقصى الشمال في لابلاند، لا يزال الشتاء باردًا بالرغم من أنه لم يكن هناك الكثير من الثلج، ولأول مرة منذ قياسات الأرصاد الجوية الأولى سنة 1880، عرفت عواصم الشمال الأربعة: أوسلو، استوكهول، هلسنكي وكوبنهاجن الزئبق أعلى من 10 درجة مئوية طيل أيام شهر يناير، مع تسجيل النرويج في أوائل شهر يناير و لأول مرة درجة حرارية تصل الى 19 درجة مئوية.
في هلسنكي، يرى أعضاء جمعية حماية الطيور بسومي، و هي جمعية تهتم بالحفاظ على التنوع البيولوجي، لاحظ أعضاء الجمعية تغيراً هائلاً في أعداد الطيور بسبب هذا الشتاء المعتدل، وقال عالم الأحياء بيتري لامبيلا “لقد سجلنا بالفعل رقما قياسيا لعدد الأنواع الموجودة في المنطقة”، مضيفا “هذا يعني أن العديد من الطيور قررت عدم الهجرة هذا الشتاء، بل أصبحوا في غنى عنها و لا يحتاجونها بالضرورة لأن المياه غير مجمدة”، مؤكدا على أنه يبدو أن زيادة عدد الطيور علامة جيدة في البداية، لكن عالم الأحياء بدت عليه علامات القلق اتجاه هذه الوضعية: “في المستقبل، سيزداد عدد الأنواع ولكن قد نفقد أيضًا الأنواع الشمالية التي سوف تبدأ في التكاثر في وقت مبكر من هذا الربيع وربما نقص الغذاء للطيور حديثي الولادة سيعجل بوفاة القادمين الجدد منها. يقول بيتري لامبيلا: “هذه التغيرات في درجات الحرارة تحدث بسرعة كبيرة بحيث لا يوجد ما يكفي من الوقت لتتكيف الأنواع”.
وفي نفس السياق، ففي القطب الشمالي ذابت التربة الصقيعية بالموازاة مع إطلاق الغازات الدفيئة مما ساهم في تسارع حدة تغير المناخ العالمي.
هذه الظاهرة، التي يطلق عليها “ذوبان الجليد الوحشي”، من المحتمل أن تهم فقط 5٪ من التربة الصقيعية في القطب الشمالي، وهي نسبة كافية لمضاعفة إجمالي مساهمة التربة الصقيعية في ظاهرة الاحتباس الحراري.
ووفقا للعلماء، فذوبان الجليد الوحشي ليس بالشيء الجديد، فدائمًا ما ينتج عن التربة الصقيعية انبعاثات أقل من استهلاكنا للفحم أو النفط أو الغاز الطبيعي، كما أوضح ديفيد لورانس من المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي في بولدر، كولورادو، “أن تضخيم الاحترار العالمي الناجم عن التربة الصقيعية التي صنعها الإنسان قدّر بنحو 10٪”.
ويزداد الأمر أهمية لكون هيئة العلماء المعنية بتغير المناخ لم تأخذ بعين الاعتبار التربة الصقيعية في تقديرها للتاريخ الذي سيتعين علينا فيه التوقف عن الاستهلاك الوقود الأحفوري إذا كنا نريد تجنب أخطر عواقب الاحترار العالمي، حيث إذا كان هدفنا هو الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية أو 2 درجة مئوية، فسيتعين علينا الانتقال إلى الطاقة المتجددة بشكل أسرع من المتوقع.
ويؤكد العلماء أن الجليد المتجمد يحتوي على ما يقرب من ضعف كمية الكربون الموجودة في الغلاف الجوي، ويرجع ذلك أساسا إلى وجود بقايا متحللة من النباتات أو الحيوانات القديمة. لذلك فإن ذوبان الجليد الذي استمر وسيمتد الى عدة عقود، سيؤدي لا محالة إلى إطلاق تدريجي للغازات الدفيئة وخاصة غاز ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان.
وعلى العكس مما قلناه سابقا، أفاد بعض العلماء أن هجرة الطيور الموسمية أصبحت تجري في وقت مبكر أكثر من المعتاد بسبب تغير المناخ، هذا ما أظهرته إحدى الدراسات الجديدة، فقد أفاد باحثون من جامعة ماساتشوستس أمهيرست بأن الطيور المهاجرة في موسم الربيع صارت تجتاز نقاط توقف في وقت مبكر الآن بعدما حللوا بيانات هجرة الطيور لمدة عقدين من الزمان.
وكانت عدة جامعات أميركية عدة قد شاركت في اعداد دراسة مركزة في الموضوع تعتبر من أولى الدراسات التي بحثت تأثير التغير المناخي على توقيت هجرة الطيور على النطاق القاري، حيث أكدت أن درجة الحرارة وتوقيت الهجرة متوازيان بشكل وثيق، فقد وجد العلماء المشرفون على هذا الدراسة أن أكبر التغييرات في توقيت الهجرة قد حدثت بسرعة أكبر في مناطق “الاحترار”، إلا أن تغير توقيت الهجرة كان أقل وضوحا في فصل الخريف.
و كان العالم الامريكي كايل هورتون قد لاحظ سلوكيات مئات الأنواع من الطيور المهاجرة أثناء الليل والتي تمثل مليارات الطيور، بأنه “مهم للغاية” لفهم وتعلم المزيد من الإجابات عن تغيير أنماط الهجرة، مضيف أن “رؤية التغيرات في توقيت هجرة الطيور على النطاقات القارية أمر مثير للإعجاب حقا، لا سيما بالنظر إلى تنوع السلوكيات والإستراتيجيات التي تستخدمها الأنواع العديدة لهذه الطيور والتي تلتقطها الرادارات”، مضيفا أن التحولات المرصودة لا تعني بالضرورة أن الطيور المهاجرة تواكب أو تتكيف مع التغير المناخي، يقول العالم الأمريكي أندرو فارنسورث، من مختبر كورنيل لعلم الطيور، إن بحث الفريق أجاب للمرة الأولى على الأسئلة الرئيسية حول الطيور وتغير المناخ، فقد: “تطورت هجرة الطيور إلى حد كبير كرد فعل على تغير المناخ”.
إنها ظاهرة عالمية تضم مليارات الطيور سنويا، وليس من المفاجئ أن تتبع حركات الطيور المناخات المتغيرة، ولكن كيفية استجابة مجموعات الطيور في عصر التغيرات السريعة والمتطرفة في المناخ كانت بمثابة صندوق أسود، حيث إن التقاط مقاييس وحجم الهجرات في مكان وزمان معين كان مهمة مستحيلة حتى وقت قريب، ويؤكد العلماء على أن الافتقار إلى التغيير في أنماط هجرة الخريف كان مفاجئا بعض الشيء، على الرغم من أن الهجرة تميل أيضا إلى أن تكون أكثر فوضى خلال تلك الأشهر
ففي الربيع مثلا نشهد اندفاعا كبيرا من الطيور المهاجرة، حيث تتحرك بوتيرة سريعة إلى حد ما، للوصول في نهاية المطاف إلى مناطق التكاثر، ومع ذلك، خلال الخريف، لا يوجد الكثير من الضغط للوصول إلى أراضي الشتاء، والهجرة تميل إلى التحرك بوتيرة أبطأ، و على العكس من ذلك في الخريف، لا تتنافس الطيور على رفقاء التزاوج ولا تزداد سرعة الوصول إلى وجهتها.
إن هذه النتائج لها آثار على فهم أنماط هجرة الطيور في المستقبل، لأن الطيور تعتمد على الغذاء والموارد الأخرى أثناء سفرها، وفي ظل تغير المناخ، قد يكون توقيت النباتات المزهرة أو ظهور الحشرات غير متزامن مع مرور الطيور المهاجرة”، ويخطط الباحثون لتوسيع تحليل البيانات الخاصة بهم لتشمل القطب الشمالي وولاية ألاسكا، حيث يكون لتغير المناخ آثار أكثر خطورة مما يحدث في الولايات في الولايات المتحدة الأميركية الأخرى.
ويأمل الخبراء بأن يفتح العام 2020 الباب أمام إعادة تحديد آليات حماية الطيور بشتى أنواعها، لا سيما في ظل عقد مؤتمرات عديدة لمناقشة هذا الشأن، من ضمنها مؤتمر الأطراف الخامس عشر للتنوع البيولوجي بمدينة كيونمينغ الصينية في شهر أكتوبر 2020، إضافة إلى المؤتمر العالمي للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، والذي سينظم في شهر يونيو المقبل في مرسيليا الفرنسية، ومؤتمر الأطراف السادس والعشرين حول المناخ في شهر نونبر 2020 في غلاسغو الاسكتلندية.
ومع ذلك، لا يزال يتعين على العلماء والباحثين تحديد كيفية إيجاد حل لهذه الوضعية، قصد إقناع الطيور باستئناف رحلات الهجرة من الشمال إلى الجنوب، فالمناظر الطبيعية في المنطقة القطبية الشمالية تبقى شاسعة والطيور الرافضة للهجرة لابد أن يأتي يوم من الأيام لتشتاق فيه العودة إلى محمية سيدي بوغابة والمرجة الزرقاء و الوليدية و دار بوعزة شريطة أن تتوقف الآلة البشرية التي تدمر كل ما هو جميل على كوكب الأرض بحيرة حي التقدم بالرباط نموذجا
> محمد بنعبو
ناشط بيئي وخبير في قضايا المناخ والتنمية المستدامة رئيس جمعية مغرب أصدقاء البيئة