العلاقات المغربية الموريتانية: نحو أفق جديد…

الاتصال الهاتفي الذي أجراه جلالة الملك مع الرئيس الموريتاني  محمد ولد الشيخ الغزواني، وبالنظر إلى ظرفيته وما يحيط بالسياق الإقليمي من تطورات، لم يكن سلوكا دبلوماسيا عاديا في العلاقات بين الدول وقادتها، ولكنه اتصال حمل رسائل عديدة، ويؤسس لأفق جديد في العلاقات المغربية الموريتانية، والتي بقيت المملكة دائما تسعى لتمتينها والارتقاء بكل تجلياتها.
من دون شك أن أعمال البلطجة التي اقترفتها العصابة الانفصالية في معبر الكركرات، تسببت لموريتانيا في أضرار كثيرة، كما أن سلوك وخطاب المرتزقة لم يخل من تهجم وتهديد واستفزاز لها، وهو ما نجم عنه اليوم جدل كبير داخل موريتانيا حول موقفها من العصابة بشكل عام، كما أن نجاح التدخل المغربي لتأمين المعبر عاد على موريتانيا بمنافع يتحدث عنها الناس هناك كثيرا هذه الأيام، ومن ثم كان لافتا، أثناء الاتصال الهاتفي لجلالة الملك، تعبير قائدي البلدين عن ارتياحهما الكبير للتطور المتسارع الذي تعرفه مسيرة التعاون الثنائي، وعن رغبتهما الكبيرة في تعزيزها والرقي بها، بما يسمح بتعميق هذا التعاون بين البلدين الجارين وتوسيع آفاقه.
لقد بقي الشعب الموريتاني والكثير من نخبه دائما أقرب إلى المغرب والمغاربة، بالرغم من مختلف الضغوط والمناورات التي قام بها خصوم المملكة، والمغرب، بدوره، بقي دائما يمد يده إلى البلد الجار والقريب، ولم ييأس في ذلك، وقد أعادت التطورات الأخيرة وما نجم عنها من تداعيات، التأكيد على ضرورة تقوية علاقات الرباط ونواكشوط لمصلحتهما المشتركة، ولضرورات عملية وواقعية ومستقبلية.
موريتانيا تمثل، بالتأكيد، عمقا استراتيجيا للمغرب، علاوة على الصلات والارتباطات التاريخية والسياسية والإستراتيجية والشعبية الكثيرة التي تجمع بين البلدين والشعبين، بالإضافة إلى أن المنطقة باتت اليوم مقبلة على تحولات جوهرية على الصعيدين الإقليمي والدولي، وكل هذا يفرض اليوم أن تشهد العلاقات الثنائية بين البلدين مرحلة جديدة ومختلفة.
وقد سجل المراقبون، عقب الاتصال الهاتفي الذي أجراه جلالة الملك مع الرئيس الموريتاني، تعبير العاهل المغربي عن استعداده للقيام بزيارة رسمية لموريتانيا، ووجه، في نفس الوقت، الدعوة لمحمد ولد الشيخ الغزواني لزيارة المملكة.
وهذه الزيارة الملكية لموريتانيا، لو تمت، ستكون حدثا كبيرا، ومن شأنها أن تمثل بداية فعلية لتحول مهم في العلاقات بين البلدين، وعلى صعيد كامل المعادلة الإقليمية، وستساعد في بناء معالم تعاون استراتيجي بين الرباط ونواكشوط يكون مفتوحا على العمق الإفريقي للبلدين الجارين.
بقدر ما أن المغرب يسعى اليوم لتأمين مصالحه الوطنية والإستراتيجية، ويحرص على حماية حدوده ووحدته الترابية وأمنه واستقراره، فهو، بنفس القوة والإصرار، يفتح أمام المنطقة أفقًا مختلفا، يقوم على تحقيق التنمية، وتعزيز الاستقرار ، والتعاون الإقليمي، وهو الأفق النقيض لمناورات النظام العسكري الجزائري الذي ينشغل بالاستقطابات ولعبة المحاور العقيمة، ويساهم في إشعال التوترات وتأبيد النزاعات والتخلف والانغلاق والعداء.
وتبعا لهذا، موريتانيا اليوم أمام تحدي اختيار طريقها، وتغيير الموقف، وأن تنتصر لمصالحها الإستراتيجية، ولتطلعات شعبها من أجل التنمية والانفتاح والتقدم.
المغرب يسعى اليوم بعد تأمين معبر الكركرات، لإنجاح انطلاقة تنموية كبرى بالأقاليم الجنوبية تكون مفتوحة على عمقه الإفريقي والأطلسي، ويتطلع أن تنخرط الجارة موريتانيا في هذه الدينامية الإستراتيجية، وأن تساهم في تمتين التعاون الثنائي مع المملكة لما فيه مصالح البلدين والشعبين.

< محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top