الرياضة لعبة تتداخل مع ما هو سياسي وتاريخي واجتماعي، ولذلك استطاعت أن تنهل هي الأخرى ولسنوات طويلة من هذه المجالات وتتأثر بها، وبالتالي فقد أخذت بدورها نصيبها من داء العنصرية الذي بات يفوق الحدود رغم القوانين الصارمة التي وضعها المشرعون الرياضيون لتطويقها.
وقد تلوثت رياضة كرة القدم بالعنصرية أكثر من أي رياضة جماعية أو فردية أخرى، ففقدت طعم المتعة التي تبعثها في نفوس اللاعبين وعشاقها. ولأن الرياضة أخلاق قبل أن تكون منافسات تدفع البعض من المتعصبين إلى الإساءة، يرى البعض أنه من الضروري التصدي إلى هذه الظاهرة العنصرية التي تفشت في الملاعب.
وسيطرت حادثة جدت في وقت سابق هذا الأسبوع في إحدى مباريات دوري أبطال أوروبا لكرة القدم حينما وجه الحكم الرابع لأحد اللاعبين عبارات عنصرية على مرمى من المتابعين، خاصة وأنها تأتي بعد أن سجلت الملاعب الأوروبية تزايد حوادث الهتافات العنصرية في الأعوام الأخيرة.ويحلّل رياضيون وعلماء اجتماع ولغويون من رومانيا معاني كلمات “هذا الأسود هناك”، والتي صدرت من حكم أدّت إلى إيقاف مواجهة فريق إسطنبول باشاك شهير التركي وضيفه باريس سان جرمان الفرنسي الثلاثاء الماضي، بالموازاة مع نقاش مستمر حول العنصرية المتزايدة في أوروبا الشرقية.
وتدعو أصوات في العاصمة بوخارست إلى انتظار خلاصة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، حول فضيحة جديدة تسبّب بها الحكم الروماني سيباستيان كولتيسكو، أدت إلى توقف المباراة في شوطها الأول قبل استكمالها الأربعاء الماضي، وفاز بها سان جرمان.
وانتقلت السجالات إلى الشبكات الاجتماعية، حيث انتقدت تعليقات ناشطين عدم تحرّك الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “يويفا” سابقا لوصف الرياضيين الرومانيين بأنهم “غجر”، وهو مصطلح ازدرائي.
لكن رئيس الاتحاد الروماني لكرة القدم رازفان بورليانو بدا صارما وقال “لا مكان لكلمات مماثلة في الملاعب”، وذلك على غرار وزير الرياضية يونوتس ستروي الذي قدّم اعتذاره سريعا “باسم الرياضة الرومانية”.
أما الصحف المحلية فقد بدت منقسمة، ويؤكّد أوفيديو يونايتوايا أحد الإعلاميين المخضرمين “في الرومانية، أن تنادي أحدا بالأسود (نيغرو) ليست إهانة، بل إشارة إلى لون بشرته”، لكن تيودور جوماتاتي الأقل خبرة يقول “هذا التعبير الأكثر فظاظة عن العنصرية، قمة الإذلال”.وبعد اللجوء إليه أكثر من مرة في السنوات الماضية بسبب شكاوى عنصرية، شدّد رئيس مجلس مكافحة التمييز تسابا أستالوس على أن “الرياضة، وخصوصا كرة القدم، ليس بمقدورها أن تكون بمأمن عن هذه الآفة الحاضرة بقوة في المجتمع الروماني”.
وفي إشارة إلى حالات قلّد فيها مشجعون أصوات القردة أو قاموا برمي الموز صوب لاعب برازيلي، ندّد في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية بـ”تراخي” الأندية ورابطة دوري كرة القدم الرومانية.
ولدى الجارة بلغاريا، خيّمت أحداث مماثلة على مباراة في تصفيات كأس أوروبا 2020 بين المضيفة وإنجلترا في أكتوبر العام الماضي ليستقيل رئيس الاتحاد ومدرب المنتخب عقب ذلك.
وتعرضت عدة أندية من بلغاريا إلى عقوبات كروية قارية قبل ذلك بسبب “تصرفات عنصرية” على المدرجات، ففي العام 2014 تحدّى مشجعون لنادي ليفسكي صوفيا علنا حملات الاتحاد الأوروبي بوضعهم لافتة كُتب عليها “قولوا نعم للعنصرية”.
وانتشرت عدوى العنصرية لتصل إلى البلقان أيضا، حيث أدّت أصوات القردة إلى غرامات ومباريات دون جمهور لاتحادات كرواتيا، صربيا أو مونتينيغرو (الجبل الأسود). وإذا كان الاتحاد الكرواتي يندّد بانتظام بتصرفات مماثلة ترافقها أحيانا أهازيج نازية، إلا أنه يعفي نفسه من المسؤولية ويحملها للمشجعين المشاغبين “هوليغانز” الذين اشتهرت بهم الملاعب الإنجليزية.
وفي العام 2012، كان ملعب بلغراد مسرحا لمعركة جماعية في نهاية مباراة صربيا وإنجلترا تحت 21 عاما واقتحم مشجعون صرب المستطيل الأخضر الذي شهد تضاربا وإهانات بين اللاعبين والمدربين.
ويؤكد محللون أن الغجر في رومانيا يتعرضون لخطاب كراهية. ويعبّر جيلو دومينيكا، عالم الاجتماع من هذه الأقلية، عن انزعاجه عندما يصدح المشجعون “الموت للغجر”، أو يحملون لافتات تكريمية للمارشال الموالي للنازية إيون أنتونيسكو الذي دعا إلى “حلّ نهائي” ضد هذه الفئة في الحرب العالمية الثانية.
وبحسب دومينيكا، فقد حققت عقوبات الاتحاد الأوروبي لكرة القدم أهدافها جزئيا، لأن المشجعين “بدأوا يخشون من العقوبات لكن الإكراه لوحده لا يحلّ المشكلة، إذا لم يرافقها، أو يسبقها تثقيف”.
وعزّزت بلغاريا، كغيرها من دول المنطقة، العقوبات ضد الجماهير المشاغبة، فوصلت الغرامات إلى 2500 يورو والسجن لمدة 25 يوما. أما رومانيا، فـ”بذلت جهودا” لمحاربة العنصرية “لكن الطريق لا يزال طويلا” بحسب أستالوس، الذي يشدّد على “أهمية الاقتداء” لدى مسؤولي كرة القدم.
لكن هذا المشهد قد يكون بعيدا عندما نرى أمثال رئيس نادي أف.سي.سي.بي (شتيوا بوخارست سابقا) جيجي بيكالي يرفض استقدام لاعب مثلي، قبل أن يعيد الإساءة، مؤكدا أن “السود” ليس مرحبا بهم أيضا.
العنصرية في ملاعب كرة القدم جريمة لم تسقط بالتقادم
الوسوم