قال الخبير القانوني والناشط الحقوقي، الدكتور أنس سعدون، أول أمس الثلاثاء بالدار البيضاء، إن تضخم وتشتت القوانين المنظمة للحريات ببلادنا يحدان من كفاءتها في مكافحة الظواهر الاجتماعية السلبية المرتبطة بهذا المجال، ومن بينها مشكلة العنف ضد النساء عموما، والعنف الرقمي تحديدا، كظاهرة مستجدة أضحت تلقي بظلالها على الواقع المغربي وتفرض على المشرع الانكباب بجد على عملية تمحيص وتدقيق الأحكام والمساطر ذات الصلة.
وأضاف أنس سعدون، وهو عضو نادي القضاة، أن هذا الأمر يشكل حافزا أساسيا للتفكير في ضرورة صياغة قانون خاص بمكافحة العنف الرقمي ضد النساء والفتيات، بما يمكن المشرع من آلية واضحة في مواجهة هذه الإشكالية، بناء على «مقاربة شمولية تعتمد مباديء الوقاية، والزجر والعقاب بحق مرتكبي الأفعال الجرمية ذات الصلة، وحماية الضحايا والتكفل بهم، وكذا جبر الضرر اللاحق بهم».
وقد شكلت هذه المباديء بالفعل مرتكزات لمسودة مشروع القانون التي قدمها أنس سعدون أول أمس ضمن ندوة صحفية نظمتها جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، صاحبة المبادرة في إعداد هذه المسودة لمقترح «قانون خاص بحماية النساء والفتيات من العنف الرقمي»، وذلك تحت شعار»من أجل بيئة رقمية آمنة للنساء والفتيات وخالية من العنف والتمييز».
وأكدت المحامية والحقوقية زاهية عمومو، عن جمعية التحدي، خلال تقديمها للأرضية الترافعية للمسودة، أن الهدف من هذا المشروع يتمثل في إيجاد إطار قانوني «واضح ودقيق وشامل» لزجر مختلف أفعال العنف ضد النساء والفتيات في الفضاء الرقمي، «يحترم مبدأ الشرعية الجنائية، ويستفيد من التطورات الحديثة التي عرفتها القوانين المقارنة»، في مجال التصدي لأشكال العنف الممارس ضد النساء والفتيات، ويضمن أيضا «الالتقائية بين النصوص القانونية الموضوعية والإجرائية»، من خلال مقتضيات خاصة في تنظيم إجراءات البحت والتحقيق والمحاكمة، مع استحضار خصوصية جرائم العنف الرقمي.
وتتوج هذه المبادرة، الأولى من نوعها ببلادنا، 5 سنوات من العمل الميداني الذي خصصته الجمعية لموضوع العنف الرقمي، وتشكل ثمرة مجهود كبير قاد الجمعية من مرحلة البحث والتشخيص والتحسيس، إلى مرحلة القوة الاقتراحية والترافعية في مجال أصبح يكتسي أهمية بل خطورة متفاقمة في واقعنا اليوم، ويفرض نفسه بقوة على المجتمع بتأثيراته المدمرة، وعلى المشرع بإلحاحية التفكير في الأدوات القانونية والمسطرية لمواجهته.
وكانت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، سباقة للتنبيه إلى تفاقم ظاهرة العنف الرقمي ضد النساء والفتيات منذ 2016، من خلال عملها الميداني الذي كشف عن بروز أفعال جديدة لهذا العنف تتمثل في التحرش والابتزاز وانتهاك الحياة الخاصة والتشهير، وهي أفعال لم يكن القانون الجنائي يستوعبها بنصوص واضحة، رغم خطورة الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي قد تخلفها على حياة الأفراد أو المجتمعات. كما أضحت الجمعية رائدة في المجال أيضا من خلال مراكز الاستماع التي خصصتها لتلقي زيارات وشكاوى الضحايا اللواتي أصبحن يتوافدن بالعشرات يوميا على تلك المراكز لكسر حاجز الصمت رغم الصعوبات التي يواجهنها على المستويين النفسي والاجتماعي.
وأشارت بشرى عبدو، رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، في كلمة بالمناسبة، أنه «على الرغم من أهمية قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء في إيجاد إطار مفاهيمي متقدم التعريف بأشكال العنف ضد المرأة، بما فيها العنف الجسدي والنفسي والاقتصادي والجنسي، إلا أن حصيلة خمس سنوات على تطبيق هذا القانون كشفت عن استمرار العراقيل القانونية والمؤسساتية التي تحول دون ولوج الناجيات من العنف الرقمي إلى سبل الانتصاف القضائي»، وهو ما تعكسه الإحصائيات والتقارير الصادرة عن مؤسسات رسمية وعن منظمات المجتمع المدني.
وتفيد إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، ضمن نتائج البحث الوطني حول العنف ضد النساء والرجال لسنة 2019، أن قرابة مليون ونصف امرأة مغربية وقعت ضحية للعنف الرقمي، بمعدل انتشار يصل إلى 13.8%، أغلبهن بالوسط الحضري. وتزداد حدة العنف الرقمي بين الشابات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و24 سنة، وذوات التعليم العالي، والعازبات والتلميذات والطالبات. وتعزو المندوبية ارتفاع هذه النسب إلى الاستخدام المتكرر والمتزايد لتكنولوجيا الاتصالات والشبكات الاجتماعية من طرف هذه الفئات، مبرزة أن مرتكبي العنف الالكتروني هم في الغالب رجال (86.2 %)، ولا سيما المجهولون منهم (72.6%).
وانطلاقا كذلك من الأرقام التي تكشف عنها كل من المديرية العامة للأمن الوطني للشكايات المسجلة في مخافر الشرطة (622 شكاية في 2019)، وتقارير رئاسة النيابة العامة (153 قضية خلال نفس الفترة)، لاحظت الجمعية أن نسبة كبيرة من القضايا التي يتم التبليغ عنها لا تأخذ مسارها القضائي لعدة أسباب، إما لتنازل الضحية وعدم رغبتها في متابعة الإجراءات القضائية أمام المحاكم بسبب الخوف والضغوطات الاجتماعية، أو لتفعيل الصلح، أو لانعدام الإثبات أو لتعذر الوصول إلى هوية المشتكى به، أو لأسباب أخرى. كما تكشف هذه الأرقام عن غياب توحيد للمعطيات الإحصائية وغياب مؤشرات موحدة متعلقة بالعنف ضد النساء عموما، والعنف ضد النساء والفتيات في الفضاء الرقمي على وجه الخصوص، وتباين وعدم وضوح المعطيات الإحصائية المتعلقة بالمسار القضائي .
وبدوره، يرصد المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تقرير حول التبليغ عن العنف ضد النساء والفتيات ومناهضة الإفلات من العقاب (صدر في سنة 2023)، عدة عراقيل تحول دون وصول الناجيات من هذا العنف إلى سبل الانتصاف، أبرزها عدم وضوح النصوص القانونية المجرمة، وتشتتها بين فروع القانون المختلفة، وإمكانية تجريم المبلغات، وعدم مراعاة السرية والخصوصية، وضعف إعمال تدابير الحماية المقررة قانونا، وعقبات أخرى تحول دون الوصول إلى خدمات التكفل والمواكبة الصحية والنفسية، وجبر الضرر.
وتأخذ مسودة مشروع القانون الخاص لحماية النساء والفتيات من العنف الرقمي، جميع هاته المعطيات بعين الاعتبار، مرتكزة في ذات الوقت على المرجعيات الدولية المتمثلة في مختلف الصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وحقوق المرأة، وكذا المرجعيات الوطنية وعلى رأسها الدستور المغربي ومختلف القوانين والتقارير الصادرة في الموضوع عن المؤسسات والهيئات الوطنية والجمعوية.
ويشمل مقترح القانون ديباجة توضح السياق العام، والأهداف والمرتكزات والمحتويات، إلى جانب 40 مادة موزعة على 8 أبواب، تغطي الجوانب التالية: جانب الأحكام العامة والتعريفات، الجانب الوقائي، الجانب الزجري، الجانب المسطري، آليات الحماية وجبر الضرر، فضلا عن مسؤولية مزودي الخدمات وشركات الاتصال.
ومن المنتظر أن تشرع الجمعية قريبا في مباشرة لقاءات مع مختلف الأطراف المعنية في إطار الحملة الترافعية من أجل إخراج مقترح القانون إلى حيز الوجود، وعلى رأسهم المؤسسة التشريعية من خلال الفرق البرلمانية، وبدعم من الإطارات الحقوقية والجمعوية ذات الاهتمام المشترك.
سميرة الشناوي